السبت، 24 ديسمبر 2011

انجيل متي (مقدمة)


والقديس متى في هذا كله هو أكبر جامع للأقوال ومنسِّق لها، إذ رأى ضرورة ذلك بثاقب فكره وبحسب مستوى التعليم والمعرفة في أيامه، حيث لا كتابة توزَّع على الناس ولا تعليم مكتوب ولا قدرة على التعليم في البيوت أو الجماعات، لأن الكنيسة كانت محصورة ومحاصرة في أضيق حيِّز. لذلك اهتم بأن يجعل من إنجيله مادة سهلة للحفظ عن ظهر قلب، وهي مهنة الكتبة لأنفسهم ولتعليم الشعب “اسمع واحفظ”. فالحفظ الغيبي هو الوسيلة الوحيدة في تلك الأيام لنشر الإنجيل وتعليمه. والذي جعلنا نتيقَّن من هذا الأسلوب في كتابة إنجيله هو جمعه للمعلومات تجميعاً يُسهِّل حفظها جداً في الذاكرة، إذ جعلها على هيئة ثلاث نقاط مكرَّرة ثلاثاً ثلاثاً أو خمسة مكرَّرة خمسة خمسة وكذلك سبعة، حتى لا يفوت على المتعلِّم شيءٌ منها. فنجد أن الملاك يعطي خطيب مريم ثلاثة إعلانات في ثلاثة أحلام، ثم هناك ثلاث تجارب على الجبل، والعظة على الجبل تتكلَّم عن ثلاثة أنواع للبر (الصلاة والصوم والصدقة)، وهناك ثلاثة شروط لاتباع المسيح ينتهي كل منها بعبارة “لا يستحقني” (10: 37و38)، وثلاثة أقوال عن “الصغار” (18: 6و10و14)، وثلاث صلوات في جثسيماني (26: 39و42و44)، ولمَّا أنكر بطرس أنكر ثلاث مرَّات، ولمَّا سأل بيلاطس المسيح سأله ثلاثة أسئلة. ثم العدد خمسة، نجد الخمس خبزات والخمسة آلاف والخمس عظات التي تقسِّم الإنجيل إلى خمسة أقسام. كذلك العدد سبعة نجده يقدِّم سبعة أمثال (أصحاح 13) وسبعة ويلات (أصحاح 23). وفي سلاسل ميلاد المسيح نجده يجعل الجدول مقسَّماً إلى ثلاثة أقسام رئيسية وكل قسم منها به 14 جيلاً.
 وهكذا ارتفع قدر ق. متى كمعلِّم بإنجيله إلى أقصى قمة  في فن التعليم والحفظ. والكنيسة والشعب المسيحي يبرهن  على صدق هذا بكونه يحفظ الآيات من إنجيل ق. متى  بسهولة ويستشهد بها بتأكيد فيما يخص شخص المسيح  وتعليمه ولاهوته، لأن ق. متى كتب إنجيله من أجل ذلك ليعطي في يدي المؤمن قولاً حيًّا ورسالة فعَّالة. لذلك كان عماد الكنيسة الأُولى هو إنجيل ق. متى في هذيذها المتواصل بالمسيح وتعاليمه وكلماته، وهذا يكشف عن عبقرية ق. متى الروحية إذ استطاع أن يسقي الشعب المسيحي الإنجيل ليحفظوه كالناموس بحروفه.

مقدمة انجيل متي (ابونا متي المسكين)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق