اللوغوس
1- الاشتقاق اللغوي: يشتق من لفظ “logos” وهو من الاصل اليوناني “log” الذي يظهر في الفعل “legw” وهذا
الفعل معناه "يضع" واصبح بمعني "يختار – يُميز – يُجمع" ثم
اصبح "يقول او يتكلم" وعلي ذلك فلفظ الكلمه او اللوغوس يعني "تجميع
الافكار التي في العقل وكذلك الكلمات التي تعبر عن الافكار".
2- لفظة اللوغوس: تتضمن مدلولين, المدول الاول بمعني الصوره
الخارجيه وهي تعبر عن الفكر الداخلي, المدلول الثاني الفكر الداخلي نفسه وهي تعبر
عن الكلام الباطني او كلمة اللسان وكلمة العقل.
3- مفهوم اللوغوس في الفلسفه اليونانيه له استعمالان, الاستعمال
الاول في مفهوم (الكلام – الحديث – النطق – التلفظ – الاعلان), الاستعمال الثاني
هو كحقيقه ميتافيزيقيه كمصطلح فلسفي و لاهوتي ارتبط بكينونة العالم والكيان
الالهي.
4- في العهد الجديد دل اللوغوس علي قول الله او الانسان (اي اللفظ),
ومن ناحيه اخري استعملها القديس يوحنا البشير ليشير بها الي المسيح الاقنوم
الثاني.
مفهوم كلمة اللوغوس في الفكر اليوناني والهلينستي
5- اللوغوس عن هراقليطس:
يعتبر هيراقليطس اول مُـفكر يوناني قال بنظرية
اللوغوس وليس لها أي علاقة بالتعليم المسيحي. ويقصد هيراقليطس قانوناً كلياً يدبر
العالم وجوهراً ينبث في اجزاء الكون المتغيرة، تعتبر شذارات هيراقليطس اقدم نصوص
فلسفية يعبر فيها لأول مرة في تاريخ الفكر اليوناني القديم عن اللوغوس مبيناً ان
لوغوس العالم او اللوغوس الكلي هو المبدأ العاقل في الوجود وهو قانون التغير ولو
ان هيراقليطس لم يستطع ان يشرح لنا طبيعة اللوغوس الازلي ولا ماهيته وجوهره، ومهما
يكن من امر فينبغي ان نعرف إن منهج هيراقليطس منهج تصوفي منطقي إذ نادي بالاتحاد
بالحقيقة ولذلك فهيراقليطس يعتبر أحق علي رأس الفلاسفة الذين جمعوا بين التصوف
والمنطق علي السوء.
5_1 يقول هيراقليطس (من كتاب: هيراقليطس فيلسوف التغير) (بالرغم من ان
هذه الكلمه "اللوغوس" صادقة منذ الازل فان الناس لا يستطيعون فهمها, ليس
ذلك قبل سماعها فحسب بل بعد ان يسمعوها لاول مره حتي اننا نقول: انه بالرغم من ان
كل الاشياء تحدث متطابقه مع هذه الكلمه "لوغوس" فانه يبدو ان الناس ليس لديهم ايه خبره لذلك
علي الاقل اذا حكمنا عليهم في ضوء هذه الكلمات والاعمال التي سوف اقررها هنا. ان
منهجي ان اميز بين كل شئ حسب طبيعته وان اعيد سلوكه وعلي العكس من ذلك ينسي
الاخرون ويهملون –في لحظات يقظتهم- ما يدور حولهم وما في داخلهم مثلما تكون حالتهم
اثناء نومهم".
5_2 (ينبغي ان نترك انفسنا يقودها ما هو عام للجميع بالرغم من ان
الكلمه "اللوغوس" عامه للجميع فان كل الناس يعيشون وكان لكل منهم عقله
خاص)
5_3 ثار نقاش عنيف حول تفسير الكلمه "اللوغوس" عند
هيراقليطس وانقسم الباحثون الي فريقين؛ الفريق الاول راي ان هيراقليطس يشير اساسا
الي الكلام الذي ينطقه, والفريق الثاني يري الاشاره الي شئ اخر كلي سام, وهذا هو
الاحتمال الاقوي ان هيراقليطس اعتبر "اللوغوس" انه الحقيقه في صفاتها
الموضوعيه وفوق الانسانيه, واعتبر نفسه مُؤهل ومُعد خاصه ليفصح عن هذه الحقيقه.
5_4 يقول هيراقليطس (ان جوهر العقل الانساني من حقيقة جوهر الالهي
فالانسان يعرف الحقيقه بان يتحد بها اتحادا ً كليا), (ان المعومات الكثيره لا تكفي
للفهم)؛ يتضح من ذلك ان منهج هيراقليطس الذي يقضي بالاتحاد بالحقيقه هو منهج اقرب
ما يكون الي التصوف حيث تُعرف الحقيقه بالعيان مباشره والاتصال بها, لكن هذه
النزعه الصوفيه لم تكن لتتسع لقبول اي شئ غامض في العقل او مبهم يفوق الحس فهو كما
يقول برتراند رسل (ان هيراقليطس علي راس الفلاسفة الذين جمعوا بين التصوف
والفلسفه).
5_5 عندما ينصتون – لا لي بل –
للوغوس أو القانون العقلي، فإن من الحكمة الاتفاق على أن الأشياء جميعا واحدة
5_6 يجب أن يقاتل الناس من أجل اللوغوس أو القانون العقلي كما لو
كانوا يقاتلون دفاعا عن أسوار مدينتهم.
5_7 وختاماً إن جميع الاحداث والاشياء تحدث وفقاً لهذا الالهي سواء
كانت إنسانية ام طبيعية, ويقول في شذرته الاولي "ومع ان اللوغوس حقيقة ازلية
الا ان الناس اغبياء يعجزون عن فهمه ليس فقط قبل سماعهم به بل حتي بعد سماعهم له
لاول مرة ومع ان كل الاشياء تحدث وفقاً لهذا اللوغوس يبدو للناس كما لم تكن لهم به
أي خبره ولان القانون الالهي منبث في كل الاشياء فانه يربط كل الاشياء بعضها ببعض
ويوحدها حتي ان التغير نفسه يسير طبقاً لهذا القانون كما يسري هذا القانون في
النار فتشتعل بمقدار وتخبو بمقدار كما يَسري في صور الناس المختلفة التي تتحول
اليها", وقد فصل هيراقليطس عمل القانون الإلهي في كل ناحية من نواحي الوجود لان
القوانين الطبيعية والانسانية مستمدة من القانون الالهي، ويوصي هيراقليطس الناس ان
يطيعوا هذا القانون الإلهي وينادي هيراقليطس بأن اللوغوس هو القانون الالهي وانه
قانون الحياة الانسانية بهذا يضع الأساسي الفلسفي لاتجاهاته الاخلاقية وهو يصرح
بانه ينبغي ان يعمل الانسان علي ان يكتسب الحكمة عن طريق معرفة القانون الإلهي.
5_8 اقوال اخري لهيراقليطس (كل شئ ينساب ولا شئ يسكن, كل شئ يتغير ولا
شئ يدوم علي الثبات), (انك لا تستطيع النزول مرتين الي النهر نفسه لان مياها ًجديده
تنساب باستمرار), (الاشياء البارده تصير حاره والحاره تصير بارده, ويجف الرطب
والرطب يصبح جاف)
6- اللوغوس في الفلسفة الرواقيه: (الفلسفه الرواقيه د/ محمد
عثمان)
6_1 اللوغوس هو اصطلاح يشير الي النظام والغائيه في العالم ومعني ذلك
ان لكل موجود غايه ولا شئ يحصل عبثاً وان الاخس (الادني) موجود في العالم من اجل
الارفع (الاعلي) ويكون خادم له, فالنبات والحيوان وجودهما لاجل الانسان.
6_2 استعمل مفهوم اللوغوس معادلاً لمفهوم الله وكذلك استـُعمل لمفهوم
العناية والقدر فبحسب كريسيبوس فان القدر هو عقل زيوس وهو عقل العالم "لما
كان الله هو مبدع الوجود كله فالعقل الكلي هو قانون به ربطت الاشياء بعضها ببعض لا
فكاك منه, وهذا هو القانون الذي لا يمكن ان يجترح ابدا ً, هو الذي يسمي القضاء
والقدر, وهذا القضاء هو تسلسل العلل والاسباب تسلسلا ً يستلزم ان يكون كل حادث
نتيجه عله وكل عله مرتبطه بعله اخري وهكذا الي غير نهايه, وهذا التسلسل يحكم
الاشياء المستقبليه كما يحكم الاشياء الحاضرة والماضيه, ولا شئ يحدث الا وكان
متضمناً من قبل اصل الاشياء, فالقدر هو العقل الكلي من حيث هو علة جميع الموجودات
ومن حيث انه يحدث التسلسل في العلل الخاصة الجزئيه.
6_3 يوفق الرواقيون بين القدر وحرية الافعال كالتالي: اذا كانت
الاشياء خاضعه للقضاء فليس ذلك بملزم للفعل ولا بمانع له وقد فرق كريسيبوس بين
ضربين من العلل: العلل الاصليه (الكامله) التي تعبر عن طبيعة الشئ الذي نكون
بصدده, العلل المساعده (القريبه) التي تعبر عن الفعل الذي ينصب علي الشئ من خارج.
مثال علي ذلك الانسان, فان الاراده الحره هي العله الاصليه الكبري للفعل والقدر
ليس هو العله الاصليه في حصول ما يحصل, بل ان سلطانه لا يعدو الظروف الخارجيه
والعلل المساعده للافعال.
6_4 حسب المفهوم الشعبي فان كلمة "اللوغوس" تعادل زيوس.
6_5 علي ان اللوغوس من حيث القوة التي تنشا وتشكل الماده وتعطي النمو
للنبات والحيوان فهو المبدأ البذري (اي ان الانواع المختلفه التي تتكون منها
الموجودات كالعظام واللحم والحديد والخشب, توجد من قبل كما هي ولكن في كتل صغيره
جدا الي ابعد حد, اما العناصر الحاليه كالماء والهواء فليست عناصر اوليه بالمعني
الصحيح بل هي تجمعات عظيمة التعقيد من هذه الجواهر الاولي, فيكون كل جسم من
الاجسام الحاليه يرجع الي هذه الدقائق التي تتكون منها الاجسام الطبيعيه بذوراً)
6_6 اللوغوس هو الذي يعطي الانسان قوة المعرفه, كذلك يمنح الانسان قوة
العمل الاخلاقي؛ وحيث ان جميع القوي تخرج من اللوغوس فانها ايضا تعود اليه.
6_7 العقل الخاص بالانسان هو جزء من العقل العام.
6_8 بحسب هذا العقل الالهي والانساني المشترك يعيش الانسان بحسب
الطبيعه (يتحقق هذا عن الفيلسوف).
6_9 يري الرواقيين ان موافقة الطبيعه عند الانسان هي عباره عن الحياه
وفقاً للعقل, والعقل هو الجزء الرئيسي فينا الذي يقّوم ماهيتنا بما نحن اناس,
ويلزم عن ذلك ان الحياه وفقاً للطبيعه هي الحياه وفقاً للعقل, لكن الانسان حين
يحيا وفقاً للعقل لا يكون موافقاً لنفسه فحسب, بل يكون موافقاً لمجموع الاشياء اي
الكون باسره, لان العقل لا يختص بالانسان وحده بل هو ايضا من خصائص الوجود الكلي,
اي من خصائص الكون, والعقل الانساني ليس الا جزءاً من العقل الكلي الشامل فبالعقل
نحيا في وئام مع انفسنا كما نحيا في وئام مع العالم اجمع.
7- فيلون والفلسفه اليهوديه السكندرية:
7_1 منذ عهد بطليموس الاول وهناك يهود يعيشون في مصر خصوصاً في
الاسكندرية ودعت الحاجة الي ترجمة العهد القديم الي اليونانيه وهي ما تعرف
بالترجمه السبعينيه (280 -150 ق.م) ولقد ساعد ذلك في ربط الثقافه الغربيه باليهوديه وبين ايمان
العهد القديم والفلسفة اليونانيه, واتجه الفكر اليهودي الي تفسير العهد القديم
تفسيرًا رمزيًا وجعلوا من الحقائق الكتابيه رموز لمبادئ عقليه, اخذوا فلسفتهم عن
موسي.
7_2 بحسب راي فيلون فان "الله هو الموجود المطلق الواحد والكل,
وليس هناك اسم يمكن ان يناسبه, وهو غير معروف بطبيعته, خارج الله توجد الماده وهي
لا شكل لها, وجوهرها شر, ولا يمكن لله ان يوجد في صله مباشرة مع الماده, لذلك فان
العالم لم يخلق مباشرة بفاعليته".
7_3 ويتحدث فيلون عن وسيط بين الله والعالم هو العقل
الالهي او اللوغوس الذي يحتوي علي مُـثل او افكار الاشياء المحدده وهو الذي خلق
العالم المحسوس بان جعل هذه المُـثل او هذه الافكار تدخل او تنفذ في الماده.
7_4 الله المطلق يحاط بقواته (Dunamies) كما يحاط الملك بحاشيته وهذه القوات في لغة افلاطون "المُـثل"
وفي لغة اليهود "الملائكة" ولكن جميعها في جوهرها ووحدتها واحد من حيث
هي توجد في الله وجميعها تصدر عنه وهي تنتشر في العالم ويعبر عنها باللوغوس.
7_5 اللوغوس عند فيلون يبدو علي وجهين؛ الاول من حيث هو عقل الله
الباطن ويحوي في داخله مثال العالم (لا يوجد وجود خارجي له) ويشبه العقل الباطن في
الانسان (logos
endiathetos),
الثاني من حيث هو الكلمة المقوله الصادره عن الله وتظهر في العالم (ظهر في خلقة
العالم) ويدعوه فيلون اللوغوس المنطوق او المسموع (logos prophorikos).
+ بالنسبه للوجه الاول للوغوس فان اللوغوس يكون واحداً
مع الكيان الالهي الغير مرئي وبالنسبه للوجه الثاني فان اللوغوس يحيط بكل اعمال
واعلانات الله في العالم ويقوم من نفسه الافكار والقوي التي تمت بها صياغة العالم
وتدعيمه ويملا جميع الاشياء بالنور الالهي والحياه ويحكم الاشياء بالحكمة والمحبة
والعداله, انه بداية الخليقه وهو الابن الاكبر للاب الازلي والعالم هو الابن
الاصغر, هو صورة الله الوسيط بين الله والعالم.
7_6 وعلي ذلك فان مفهوم فيلون عن اللوغوس يتبلور في ان اللوغوس هو
الممارسة الحره للقوة الالهيه جميعها, هكذا فان الله الي هذا الحد يكشف فيه عن
نفسه ويسمي اللوغوس. ثم ان اللوغوس الي هذا الحد يعبر عن الله فيسمي الله.
7_7 الاستاذ يوسف كرم عن فيلون يقول: ان تصور فيلون للوجود مزيج من
العقيدة اليهوديه والفلسفة اليونانيه, الله عنده هو مفارق العالم, خالق له لكنه
بعيد لا يدركه العقل ولا نعلم عنه شيئا اخر, ان علية (علو) الله عنده نوعان؛ الاول
علية مطلقة والثانيه علية نسبيه. وتبدو من هذه العباره ان الله لم يُـخرج الاشياء
الي النور فحسب لكنه صنع ايضا الاشياء التي لم تكن من قبل ولكنه ليس صانعاً فقط
لكنه خالقاً.
+ ان العالم المعقول خُـلق من العدم لان الارواح تخلو من
الماده ولدها الله كما يلد العقل افكاره, اما العالم المحسوس فنتيجه تنظيم الله
لماده سابقه ونتيجة فعل وسطاء بين الله والماده (كما يذهب افلاطون) ويعلل فيلون
هذه التفرقه بان الخلق صدر عن قدرة الله وعن خيريته فلا يخلق من العالم الا
الموجود الكفيل بقبول هذه الخيريه ويقول ان الله حين قال "نصنع الانسان علي
صورتنا ومثالنا" قد خاطب وسطاء و وكل اليهم صنع الجزء الفاني من الانسان, لان
الانسان مزيج من الخير والشر والله مُـنزه عن الشر فكان لابد ممن يصنع مبدأ الشر
في الانسان ان يكون دون الله ولكن فيلون يفترق عن الافلاطونية والغنوسيه في انه
يجعل المخلوقات التي هي ادني من الانسان مصنوعات الله لانها ليست بذات اخلاق,
والشر هو الشر الخلقي. ومن الوجهه الروحيه علية (علو) الله مباشرة وغير مباشره بين
الانسان العاجز والله العلي, فلابد من وسطاء لان النفس لا تستطيع الوصول الي الله
دفعه واحده فتتدرج في صعودها اليه (دعا فلاسفة اليونان هؤلاء الوسطاء آلهه
وأبطالاً ودعاهم موسي ملائكه ورسل)
+ هؤلاء الوسطاء طبقات: الوسيط الاول هو اللوغوس او
الكلمه (ابن الله) نموذج العالم, ويليه الحكمه, فرجل الله او ادم الاول, فنفس
الله, واخيراً القوات وهي كثيره من ملائكه وجن ناريه او هوائيه وهي تنفذ الاوامر
الالهيه. وهناك نصوص تُشعرنا بان الوسطاء ما هم الا وجهات مختلفه للعليه الالهيه
وانهم يتمايزون في الذهن فقط ويرمزون الي اثار الله او حالات النفس. (كتاب تاريخ
الفلسفة اليونانيه ص 249- 250)
7_8 البير ريفو عن فيلون يقول: الله واحد لكنه تام القدره, لا نهايه
له, الموجود في جميع الخلائق وعنه تصدر بنوع من الاشعاع المنتشر في الكون السلسله
الهائله الشامله لشتي الخلائق من ملائكه وجن وبشر وحيوان ونبات, وفيه نفسه المبدا
الاول لكل حياه وبه يرتبط برباط الضرورة كل ما هو كائن, والابتعاد عنه هو ذهاب نحو
العدم والموت والاقتراب منه معناه الفوز بالحياه والوجود والكمال. وفي كل شئ جزئي
خاص يوجد حينئذ شبة شراره صغيره او كبيره من مركز الضوء الالهي, ومجموع هذه
الاضواء الجزئيه المنتشره في الكون هي العقل او اللوغوس التي تكون تحت مرتبه الله
شبكة متشعبة معقدة من الادراك الواضح ومن الحياه.
ويعلق ويقول/ من المحال ان تكون اقوال فيلون مذهبا
منسجماً وذلك لانها زئبقية وغير ثابتة, وخاصة فيما يتعلق بمسالة اللوغوس التي تظهر
في مجموعها من المناظر المختلفه التي تتعارض مع عقلنا؛ فتاره تبدو وكانها شخصية
متمايزة كأبن الله, وتاره اخري تبدو وكانها مجموعه من العقول الخاصة, وتاره تنطبق
علي الحكمة الالهيه التي تفيض عنه, اما مسالة الله عند فيلون فهو يصوره لنا
مساوياً للرحمه, الخالد الذي لا يدنو منه شئ, ولا يحاكيه في عمله شئ, ومرة يصوره
لنا مثالاً للرحمه الساميه, واخري مساويا للخالق اللامتناهي القدره. (كتاب الفلسفة
اليونانيه اصولها وتطورها ص 259- 260)
7_9 يقول الاستاذ علي سامي النشار: يظهر الاثر الهيراقليطي واضحا في
فيلون, فقد اخذ فكره اللوغوس كما وصفها هيراقليطس وتعريفاته المختلفه تدل علي
تاثره به, بل واستخدامه لتعريف هيراقليطس له مع مسحه او تغير يهودي مُـستمد من
التوراه, فهو يعرف اللوغوس احيانا بانه وسيط خلق الله به العالم, وهو آلة فنان.
وقد راينا هيراقليطس يذكر النار ذاتها نفس فنانة, ويعرفه مره اخري انه قانون
العالم وقدره, وهو هنا هيراقليطي واضح و رواقي امين لمذهب اللوغوس عند كل منهما.
وهو يسمي اللوغوس النار كما يسميه هيراقليطس احياناً. (كتاب هيراقليطس فيلسوف
التغير ص273)
7_10 اخيراً: قد أطال
الباحثون النظر في أقوال فليون عن اللوغوس لقرب عهده من المسيحية ، واحتمال تأثيرة
فى القديس يوحنا الإنجيلي. ولكن هذه أقوال متعددة ومتباينة. فاللوغوس (عنده) تارة
الوسيط الذي به خَـلق الله العالم كما يصنع الفنان بآله، والذي به نعرف الله والذي
يشفع لنا عند الله. وهو طوراً ملاك الله الذي ظهر للآباء وأعلن إليهم أوامر الله
على ما تذكر التوراة. وهو مرة قانون العالم وقدرتة على مذهب هيراقليطس والراقيين.
ومرة أخرى ابن الله البكر. ومرة ثالثة مثال الإنسان أو الإنسان الأعلى إلى أخره
ذلك من الصور. وما نلاحظه بصفة قاطعة هو أنه لا يوجد عند فيلون قول بالثالوث ولا
قول قريب منه. وإذا كان يسمى الكلمة إلهًا في بعض المواضع فذلك منه تمشيا مع
الكتاب المقدس دون أن يدرك كل مدلول التسمية، بل انه يجتهد في تخفيف مدلولها فيقول
" يمكن تسميته بإلهنا نحن الناقصين" و "آله ثانوي". وهو على
ذلك يطلق التسمية على موجودات هي عنده أقل استحقاقاً لها من اللوغوس، كالعالم
والكواكب، مثل ما يفعل فلاسفة اليونان, فاللوغوس وسيط بين الله والعالم "ليس
غير مولود كالله ولا مولودا كالبشر" ولكننا لا نتبين طبيعة هذا التوسيط.
والنظرية برمتها تنطوى على تناقض: إذا كانت المسافة بين الله والخليقة غير
متناهية، أي وسيط يستطيع الوصل بينهما. إذا كان إلهاً كان الله فوق متناوله. لذا
كان فهم العقيدة المسيحية في الكلمة على طريقة فيلون معارضة للمسيحية.
8- الافلاطونيه الحديثه (افلوطين)
8_1 تقوم ميتافيزيقا افلوطين علي ثالوث مكون من الواحد, العقل,
النفس. ويعلق رسل ان الثالوث عند افلوطين غير متساوي مثل اقانيم الثالوث
المسيحي, عند افلوطين نجد ان الواحد هو اسماهم والعقل يتلوه والنفس ادناهم. (تاريخ
الفلسفة الغربيه ص455)
8_2 اولا الواحد: ويسمي احيانا الله واحيانا الخير. الصفه الاساسيه لله
عند افلوطين ان الله هو اللامتناهي في مقابل المتناهي, والاول في مقابل ما بعده,
والواحد في مقابل الكثره, والمعقول في مقابل العقل. ويتجه افلوطين لتجريد الله من
كل ما يوهم اختلالاً في الوحده او في الكمال, ولهذا يحاول افلوطين ان يسلب من الله
كل الافكار او كل الصفات التي يمكن ان توهم ان هناك تعدد او تركيباً فيه, فينكر ان
لله عقلا وان يكون وجودا وان تكون له اي صفه من الصفات كائنه ما كانت هذه الصفه,
فالله هو الشئ الذي لا صفه له ولا يمكن ان يُـنعت ولا يمكن ان يُدرك, وهو الغني
المكتفي بذاته البسيط. (خريف الفكر اليوناني ص125)
8_3 يقول افلوطين "كل ما كان بعد الاول فهو من الاول اضطراراً.
الا انه ما ان يكون منه بتوسط اشياء اخري, هي بينه وبين الاول ان يكون منه بلا
توسط وينبغي ان يكون قبل الاشياء كلها شئ بسيط وان يكون غير الاشياء التي بعده,
وان يكون مكتفياً غنياً بنفسه, وان لا يكون مختلطاً بالاشياء, وان يكون حاضراً
للاشياء بنوع ما, وان يكون واحداً, وان لا يكون شيئا ما ثم يكون بعد ذلك واحداً,
فان الشئ اذا كان واحداً علي هذا النوع كان الواحد فيه كذباً وليس واحداً حقاً,
وان لا يكون له صفه ولا يناله علم البته وان يكون فوق كل جوهر حسي وعقلي وذلك ان
لم يكن الاول بسيطاً واحداً حقاً خارجاً عن كل صفة وعن كل تركيب لم يكن له اول
البته. (ص125)
8_4 ويعلق علي النص ويقول: نفي الصفات الايجابيه.
يمكن ان يضاف الي الله صفات ايجابيه ثلاثه: اللاتناهي,
الوحده, الخير. وقد يضاف الي هذا, الفعل او القدره.
- الله لا يمكن ان يكون له صورة لان ماله صورة محدد.
- ليس بذي جمال, اذ لا يمكن ان تدخل تحت صفه اعلي منه هي
الجمال, بينما الله هو الجمال او هذه الصفه العليا نفسها.
- الله ليس له مقدار لان هذا يتنافي مع اللامتناهي
- لا يقال عن الله ان له اراده, لانه ان كان مريداً
فمعني ذلك انه يحتاج الي غيره, ولن يكون الاول لان ما يحتاج اليه سيكون الاول,
كذلك لن يكون واحد لانه سيتغير من حال الي حال فيكون الواحد فيه كذباً. كذلك صفة
الحياه تقوم علي صفة الاراده لان الحياه لاتقوم الا اذا كانت هناك رغبات وارادات
ومجموعها يكون الحياه.
- لا يمكن ان يتصف الله بالعلم لان العلم تركيب معان
جزئيه لاستخراج معني كلي, وفي العلم انقسام من ناحية العقل والتعقل ومن ناحية اخري
بين العاقل والمعقول, فيكون هناك قسمه, والقسمه لاتقال الا علي المركب, (لذا) لا
يمكن ان يكون الله عاقلا (اي عاملاً) ولا يقال ان يعقل ذاته والا يحدث انقسام بين
العاقل بوصفه عاقلا والعاقل بوصفه معقولا, فالعاقل والمعقول ليسا شيئا واحدا.
- لا يقال عن الله انه قادر لان القدره تقتضي الاثر
المباشر والاثر المباشر يقتضي التنقل من احوال الي احوال (اي التغير), الا ان الله
بلا شك يؤثر في الكون كله بقدرته ولكن هذا يحدث بدون ممارسة قدره من جانب الله
بالنسبة للاشياء, بل تتحرك الاشياء بقدرته مع استمراره كما هو في سكونه وثباته.
- لا يقال عن الله انه موجود لان كل موجود يكون خاضعا
للتاثير بفعل او انفعال فيكون متغيراً, كذلك فان الموجود لابد له من مبدأ للوجود
وهذا المبدأ سيكون اعلي من الوجود.
+ جميع هذه الصفات السلبيه تنتهي الي ان يكون جوهر الله
بلا صفه.
+ اما من الناحيه الايجابيه فان افلوطين يلجا الي وصف
الله بصفتين؛ الصفه الاولي وهي اساس لكل صفة سلبيه اي صفة اللامتناهي وهي تتضمن
القول انه الواحد في مقابل كل كثره وكل حدوث وكل تركيب. الصفه الثانيه من حيث
الاثار التي ينتجها فيوصف الله بانه الخير, فالله اذن يتصف بالوحدانيه والخير.
- وتنحل فكره الخير عند افلوطين الي فكره العلية بمعني
ان الله قوة وهذه القوة تفيض بما فيها فتنتج الوجود. وهذا الفيض ليس معناه خروج
هذه الطاقه عن نفسها وفيضانها بما فيها في الخارج او علي الخارج, وانما تظل هذه
القوه كما هي في نفسها وتكون العليه عندها ان تبذل اثارها لا ان تبذل جوهرها.
- ان افلوطين يستخدم فكره الكمال. فـ العليه هنا لا تاتي
عن طريق منح القوة مما في الداخل لكي ينتقل هذا الممنوح الي الخارج, فان هذا يعني
تغيراً في المانح لان جزء منه هو الذي سيتكون منه هو الممنوح وهذا يحدث دائما
بالنسبة للاشياء الماديه اذ ينتقل جزء من المؤثر الي الاثر. اما بالنسبة للمعقولات
فان المعقول يحدث اثره ولا ينقص منه شئ, فالعلم الذي انقله الي الاخرين لا ينقص
بهذا النقل, وكذلك الحال بالنسبه الي الله او الاول او المعقول, يظل كما هو في
كماله واستقلال ذاته ولا يخرج عن هذه الذات وان يحدث التاثير بتاثير الشئ الخارجي
وهذا التاثير الخارجي يكون وجوداً ليس منتزعاً وكانه جزء من الوجود الاول, وانما
هو حالة تاثر صرف بشئ اخر, فالاشياء او الوجود بوجه عام ينشأ عن الاول بفيض عن
الاول دون ان ينقص شئ من ذات الاول وانما يحدث وجوداً في الخارج فحسب, فالوجود كله
يتوقف علي هذا الاول من حيث هو فيض منه, فينتج عن هذا الفيض وجود متسلسل علي طريق
تنازلي حتي نصل لاخر الاشياء, فان كان الاول يعطي الثاني صورته والثاني يعطي
الثالث صورته لذا فان اخر الاشياء لن يكون مُـحدثاً لاي صوره بل يكون خالياً من اي
صوره, او هو اللامتحد الصرف اي الهيولي والمادي, والوجود كله علي هذا النحو ابتداء
من الاول حتي اخر الاشياء يكون وحده تامه.
- يلجا افلوطين لشرح هذا الفيض بالامثال والتشبيهات
فيقول ان هذا الفيض كما يصدر النور عن الشمس دون ان تتغير الشمس وكما يصدر الماء
عن الينبوع دون ان يتغير الينبوع, لكن هذه الوحده التي يتحدث عنها افلوطين لا تعني
ان الله والاشياء شئ واحد, فالاول يحتفظ بعلوه علي الكون, ولذا كانت وحدة الوجود
عند افلوطين ذات حد واحد.
8_5 ثانياً العقل الاول (النوس): الفاعل الاول ساكن غير متحرك بشئ من
انواع الحركه وسكونه يحدث مثاله, اعني العقل لا في شئ, لان مثاله انيه شريفه قويه
تعلو في الشرف والقوه علي جميع الانيات التي تحتها, وفي ذلك المثال كل علم ومعرفه,
لانه لما صار انبجس (اي تدفق) من الفاعل الاول التفت الي علته ونظر اليها بنحو
قوته, فصار عقلا وجوهر, وهذا الجوهر هو العقل, فاذا اضيف الي ما تحته من الجواهر
كان اولاً واذا اضيف الي ما فوقه كان ثانياً.
- وينبغي للفاعل الاول ان يكون ساكناً غير متحرك اذا كان
واجباً ان يكون شئ ما ثانيا بعده وان يكون فعله من غير رويه ولا حركه ولا اراده
مائله الي المفعول, والمفعول الاول هو العقل.
- انبجس من شدة سكون الفاعل وقوته ثم انبجست منه سائر
الاشياء العقليه والحسيه بتوسط العقل, وانما انبجست منه الاشياء وصارت ذات انيات
من قبل افراط انيته وشدتها, وذلك ان القوه اذا كانت شديده انبجس منها اما شئ جوهري
واما شئ عرضي, اما الشئ الجوهري فكالحراره التي تنبجس النار وكالبروده التي تنبجس
من الثلج, اما الاشياء العرضيه فكذوات الروائح الطيبه فان الشئ ذا الرائحه مادام
ثابتا قائما فتلك الرائحه تنبث منه الي خارج فيتلذ بها الحيوان القريب منه.
- ان العقل انما صار هو الاشياء كلها لان مبدعه ليس كشئ
من الاشياء وانما صار المبدع الاول لا يشبه شئ من الاشياء لان كل الاشياء منه,
ولانه لا حيله له ولا صورة له خاصه تليق بها. وذلك لان المبدع الاول واحد وحده
اعني انه انيه فقط وليس لها صفه تليق بها لان الصفات كلها منبثقه منها من اجل ذلك
صارت الاشياء كلها فيه وليست هي في شئ من الاشياء الا بنوع العله.
- اما العقل فان الاشياء فيه وهو في الاشياء وانما صارت
الاشياء في العقل, لان صورها فيه ومنه انبثت في الاشياء لانه علة الاشياء التي
تحته, غير انه وان كان علة للاشياء التي تحته, فانه ليس بعله تامه للشئ لانه انما
هو علة صورة الشئ فقط لا علة هوية تامه, وذلك لان علة هوية الشئ وصورته بلا توسط, وعلة
هوية النفس وصورة الاشياء بتوسط العقل والنفس, والاشياء كلها مصوره في العقل من
غير ان تكون مصوره في العله الاولي بل انما هي منبجسه منها.
-وكل شئ من الاشياء العقليه محدود وانما حد الشئ صورته
وذلك لان العله الاولي لما ابَـدعت هوية الاشياء لم تدعها محموله علي غير حد, بل
هي التي تحدها وتحيط بها, وانها تحدها بصورها. فحد الشئ المفعول وسكونه هو حيله
للعقل وحد له.
- ان الواحد المحض يشبه الضوء والواحد الثاني المنسوب
الي شئ اخر يشبه الشمس والشئ الثالث يشبه القمر الذي ينال ضوئه من الشمس. فالنفس
فيها عقل مُـكتسب ينيرها بنورة ويصيرها عاقله. والعقل فيه نور ذاتي وليس هو نور
فقط لكنه جوهر قابل للنور فاما الشئ الذي ينير العقل ويفيض عليه النور, هو نور فقط
وليس هو شئ اخر غير النور, لكنه نور بسيط صرف محض يفيض قوته علي العقل فيصيره عقلاً
منيراً مضيئاً, غير ان النور الذي في العقل هو شئ في شئ, فاما النور الذي ينير
العقل فليس هو في شئ اخر, بل هو نور وحده قائم ثابت بذاته ينير جميع الاشياء غير
ان من الاشياء ما يقبل نوره اكثر ومنها ما يقبل نوره اقل.
- ان الواحد الحق مُـبدع الاشياء وليس هو ببعيد منها ولا
بمفارق لها, بل هو مع الاشياء كلها الا انه معها كانه ليس معها, وانما نستبين
معيته مع الاشياء التي تقوي علي قبوله.
العقل الاول المبتدع ليس بذي صوره واذا اضيف الي المبدع
الاول كائن ذا صوره, لانه يتناهي فيُـشكل, فيكون ذا حليه وصوره فاما المبدع الاول
فانه لا صورة له لانه ليس من فوقه شئ اخر يريد ان يتناهي اليه ولا شيئا ما تحته
يقدر ان يتناهي اليه, فهو من كل الجهات غير متناه, فلذلك صار لا حليه له ولا صوره,
ولو كان للمبدع الاول لكان العقل كلمة ما. وليس العقل بكلمه ولا فيه كلمه بل هو فاعل الكلام
في الاشياء لانه ذو صفة, وحليه الشئ اثر فيه من بعض صفاته شيئا فيكون ذلك الاثر هو
الكلمه الفاعله في الشئ.
8_6 ويتناول الدكتور عبد الرحمن بدوي ، فى معرض حديثه عن افلوطين
مناقشة الصلة بين الفكر المسيحي والفلسفة اليونانية (وجهة نظر الكتور عبد
الرحمن بدوي الشخصية)
فيقول : الذي يحتاج إلي النظر
الدقيق هو الصلة بين المسيحية وبين الأفلاطونية المحدثة . فالناس مختلفون بإزاء
هذه المسألة اختلافا شديدا ، خصوصاً وأنها مسألة شائكة تتصل بنشأة المسيحية خاصة،
كما هي معروضة في كتبها المقدسة. فالبعض يقول أن المسيحية هي التي أثرت هذا
التأثير في نشأة هذه الفلسفة الأفلاطونية (اوريجينوس). ولكن هناك رأياً آخر
يمثل الرأي العلمي الصحيح، وهو الذي يعرضه لنا تسلر فيقول: إن الأحوال التي نشأت
فيها المسيحية وتلك العالم اليوناني الروماني، إبان ذلك العصر، قد توزع القلق نفوس
كل الذين يقطنون به، إذ فقدت الممالك الرومانية استقلالها، ولم يعد ثمة شعور
بالحرية ولا بالاستقلال الذاتي، وأصبح الناس من أجل هذا يائسين من كل شئ ويطلبون
الخلاص بأي ثمن. أو بعبارة أدق، بأرخص الأثمان. ولهذا كان لابد أن تلعب المذاهب
القائلة بالخلاص، الدور الأكبر في تشكيل هذا الاتجاه الجديد . وكانت الأحوال
الروحية التي يعانيا الناس في ذلك العصر، من شأنها أن تدفع إلى إيجاد مذاهب تدعو
إلى التخلص من الوجود الخارجي، من حيث أن هذا الوجود الخارجي شر لا خير فيه ولا
حاجة إلى التعلق به أدني تعلق، بل يجب علي الإنسان أن يعزف عزوفاً تاماً عن الوجود
الخارجي المادي وينشد الخلاص بعد هذا في حقيقة دينية عليا، يفني فيها الإنسان،
ويجعل غايته في هذا الحياة هذا الفناء, لكن إذا كانت الأحوال والظروف التي نشأت
فيها كل من المسيحية والأفلاطونية واحدة متشابهة، فليس معني هذا أنه لابد أن يؤثر
الواحد في الآخر. فقد يكون الحق وحده الدافع لإيجاد هذا التشابه بين كل من
المسيحية والأفلاطونية المحدثة. وأننا لنجد في الواقع أن هناك اختلافاً بيناً حتى
في هذه الأشياء المتشابهة بين المسيحية والأفلاطونية المحدثة. فالمسيحية وان كانت
قد نشدت كالأفلاطونية سواء بسواء ، الفناء في حقيقة عليا يجب علي الإنسان ان يعتمد
عليها بل ويفني فيها ، فإنها فهمت هذه الحقيقة العليا علي أساس عيني تاريخي، فربطت
هذه الحقيقة بأحداث تاريخية معينة وأشخاص معينين أما الأفلاطونية المحدثة فقد نظرت
إلى المسألة من الناحية العقلية الصرفة، وأقامت من أجل هذا مذهبها في جو من الحرية
التي لا تتعلق بفرد أو بحادث. ثم إننا نجد الاتجاه في المسيحية مضاداً للاتجاه في
الأفلاطونية المحدثة فيما يتصل في الصلة بين الله وبين الفاني المحسوس. فالمسيحية
تريد أن تنزل بالله إلى المستوي الفاني بأن تجعل "الأول" أو الله يلبس
ثوب الإنسانية. والحال علي العكس من هذا في الأفلاطونية المحدثة، فإنها تبدأ من
الإنسان كي ترتفع به إلى مقام الألوهية. فالسبيل أذن صاعد بالنسبة إليها هابط
بالنسبة إلي المسيحية .
9. في استهلالية إنجيل يوحنا يتجلى اللوغوس على
ثلاثة مستويات :
9_1. اللوغوس ،
كأقنوم من أقانيم الثالوث القدوس
فهو الذي "كان في البدء ( en archi )عند الله ( pros ton Theon )" ( يوحنا1: 2). وهذه العبارة هي بمثابة دمج
للعبارتين الاستهلالتين " في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ،
.(
يوحنا 1 : 1 ) . ولعل ماقد أظهره هذا الدمج - الذي
تم فيه تكرار العبارتين - هو مفهوم " البدء" ، ويتضح
هنا جليا أن "البدء" المقصود ليس "بدء" في سفر التكوين،
الذي فيه "خلق الله السماوات
والأرض" ( تكوين 1 : 1 )؛ فالأخير هو بدء الخليقة، أما "بدء" إنجيل يوحنا فهو"
بدء
الله، ذاته" ، هو شخص الآب. وعبارة " عند الله " ذات
دلالة في هذا السياق، وكلمة "عند" تحديداً - كما وردت في اليونانية " pros "وليس "para " - تعني الحركة؛ فهي "عندية
ديناميكية" (إذا جاز التعبير). وإذا أضفنا
إلى الفسيفسائية اللاهوتية - التي يرسمها الوحي
- عبارة "وكان الكلمة الله" - التي وردت بين وضعي العبارتين، من دمج وغير
دمج ، مع الوضع في الاعتبار الحالة التي ورد عليها اسم " الله " من " عدم التعريف " ( Theos ) - نكون بصدد تجل رائع لعلاقة الكلمة
الابن الذاتي بالآب في شركة الثالوث القدوس. فاللوغوس كائناً أزلياً - بل سرمدياً
- في علاقة ديناميكية نحو الله، فهو كل ملء الآب، والذي
بحدث قبوله - الأزلي الأبدي - لكل ملء أبيه الذاتي فهو يحقق ألوهة الله،
فالله هو اللوغوس، لأن الله وجود
شخصي يقبل كل وجوده من أبيه الذاتي .
وفي عبارة لاحقة يؤكد إنجيل يوحنا هذا
الطرح الاستهلالي- أي علاقة اللوغوس بالآب،
في شركة الثالوث القدوس، فيكشف أن اللوغوس هو
"الابن الوحيد ( الفريد = monogenis)،
الكائن
( o
wn ) في
حضن الآب (يوحنا1 : 18).
9_2. اللوغوس ،
الخالق “فكل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه
كانت
الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يوحنا 1 : 3و4 )
9_3. اللوغوس المتجسد
" فاللوغوس
صار جسدا وحل بيننا ( فينا) ، ورأينا مجده ، مجدا
كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا ... ومن ملئه نحن جميعا أخذنا ، ونعمة
فوق نعمة ،...(يوحنا1 : 14 - 16) .
إذن ،اللوغوس في إنجيل يوحنا هو
الشخص الذي يستعلن الوجود الإلهي؛ فالله موجود لأنه شخص اللوغوس المنطوق
ذاتياً، هو كل ملء الآب. واللوغوس هو الخالق الذي بحضوره في الخليقة صارت الخليقة
موجودة. ويبلغ اللوغوس قمة
حضوره، بتجسده في شخص الرب يسوع،
الذي فيه يمتلئ الجميع صائرين خليقة جديدة. وهذه
هي الاتصالية - بين اللوغوس ( كأحد
شخوص الثالوث) والكون والتجسد والخليقة الجديدة - التي
يكشفها إنجيل يوحنا .
10. الفرق بين اللوغوس و" الريما " (Rhema= ῥῆμα )
في
يونانية
العهد الجديد
نجد تمييزاً واضحاً بين مفردتين ، يتم ترجمتهما في معظم اللغات - بما فيها العربية - بمعنى
"كلمة" وهما "لوغوس" و "ريما ". ومما ينبغي ذكره هنا أنه في اللغة العبرية توجد مفردة واحدة بمعنى "كلمة" وهي "Dabar " ، ولكن عند ترجمة العهد القديم إلى اليونانية ( الترجمة السبعينية )، حمل الروح القدس المترجمين إلى ترجمة " الدابار" تارة إلى "ريما"،
وتارة أخرى إلى "لوغوس" ، بحسب دلالة السياق في كل حالة على حدة .
يبرز استخدام " لوغوس " للتعبير عن الإعلان عن الهوية الذاتية أو الشخصية أو الذهنية لصاحب " الكلمة "، بينما تبرز "الريما" كتعبير عن الإعلان "للآخر"؛ فهي الكلمة التي تخاطب الآخر فيتلقاها ويتعاطى معها سواء كانت "منطوقة" فيسمعها، أو مكتوبة فيقرأها، وفي كل من الحالتين هو يتواصل مع ذهن وفكر المتكلم. ومن هذا المنطلق، فلم يكن شخص الابن الكائن في حضن أبيه إلا شخص "اللوغوس"، ومن المستحيل أن يطلق عليه شخص "الريما"؛ فهو كل ملء الآب وبه يتم ( سرمدياً) الاستعلان الذاتي للوجود الإلهي الكائن في شركة الثالوث القدوس.
11. علينا أن نرصد - إنجيليا -
حدثين متصلين ، من منظور الثالوث القدوس :
11_1. اللوغوس هو
الشخص الذي يعطى للإنسان.
11_2. إذا
قبل الإنسان "عطية اللوغوس" ،
واشترك فيه - بالنعمة - يكون قد اشترك في الحياة الأبدية
وعتق من هلاكه الطبيعي.
- "أنا قد
أعطيتهم كلمتك ( ton
logon sou) " (يوحنا 17 : 14) .
- "إن كان
أحد يحفظ كلمتي ( ton logon mou ) فلن
يذوق
الموت إلى
الأبد"
(يوحنا 8 : 52).
- "شاء
فولدنا بكلمة ( لوغوس ) الحق لكي نكون باكورة من خلائقه " (يعقوب 1 : 18).
- "مولودين
ثانية ، لا من زرع يفنى، بل مما لايفنى، بكلمة (لوغوس) الله الحية
الباقية إلى الأبد" (1بط1: 23).
- "الذي كان
من البدء ، الذي سمعناه ، ولمسته أيدينا ، من جهة كلمة ( لوغوس ) الحياة. فإن الحياة أظهرت
، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا"
.( 1يو
1: 1و 2)
12. أما بخصوص الاستعلان
الإلهي على مستوى النعمة - أي من منظور البشر - إذ يعلن الله ذاته
في خليقته ( فعل النعمة)، ولخليقته ( كلمات الوحي الإلهي) - فالحديث هنا هو حديث
"الريما"، والكلمة الذاتي (اللوغوس) قد
صار بتجسده ( واستعلانه في البشر) "ريما". فالريما هي تجسيد للكلمة اللوغوس. الريما
هي الاستعلان النعموي لحضور اللوغوس، هي استعلان الشركة (
شركة البشر ) في اللوغوس :
- "ليس
بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة ( ريما ) تخرج من فم الله" (لوقا
4 : 4).
- "الكلام (
ريما ) الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6 : 63).
- "إلى من
نذهب؟ كلام (ريما) الحياة الأبدية
عندك، ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي. (يوحنا6: 68, 69 ).
- "الكلام
(ريما) الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال." (يو 14 : 10).
- "إن ثبتم
في وثبت كلامي ( ريما ) فيكم تطلبون ماتريدون فيكون لكم" ( يوحنا 15 : 7 ).
- "لأن
الكلام (ريما) الذي أعطيتني قد أعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك
وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (يوحنا 17 : 8).
- "البسوا
سلاح
الله الكامل
.. وسيف الروح الذي هو كلمة (ريما) الله ( rhema Theo
)” (أف6: 11 , 17).
- "لأن الذين استنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله ( Theou rhema
) الصالحة وقوات الدهر الآتي، وسقطوا،
لايمكن تجديدهم أيضا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه. (عبرانيين 6 : 5 و 6)
13. دحض شبهة الأصل الفلسفي لكلمة
اللوغوس
شبهة أن لوغوس إنجيل يوحنا مجرد
نسخة من لوغوس الفلسفة ،
أي أنه مجرد امتداد للفلسفة اليونانية القديمة ، هي شبهة مردود عليها على مستويين :
13_1. المستوى
الأول هو "التفنيد المنطقي" فهناك هوة شاسعة بين لوغوس الفلسفة (الذي
هو مجرد بنية من السببية أو القوة الباطنية المستترة خلف وجود الكون) ولوغوس إنجيل يوحنا الذي
هو شخص الكلمة الذاتي المتجسد في البشر جاعلاً منهم خليقة جديدة
فيه. المفهوم الأول مُـتجذر في الخليقة، ويبدو اللوغوس موجوداً
وقائماً من أجل الخليقة، وليس هناك أي مضمون لماهيته ولا لوجوده الشخصي،
بمعزل عن الخليقة. وفي أفضل الأوضاع أعتبر وسيطا بين الله والناس
، كما عند فيلون الاسكندري، أوحتى مجرد مبدأ إلهي يحكم الكون ( بحسب هيرقليطس
وبحسب الرواقيين ).
- أما المفهوم الثاني فهو
متجذر في الله ذاته،
في الآب؛ فهو شخص الابن الذاتي، الذي يحقق وجود الله ذاته،
وهو قد أعُـطي للخليقة لكي مايجددها في جسده الخاص الذي أخذه منها. ويبدو
المفهومان متعاكسان في اتجاهيهما. أيضا فيما تحدث يوحنا عن
ولادة الابن الوحيد، اللوغوس من الآب، فهو أيضا قد
تحدث, بنفس المنطق وبنفس الطريقة, عن انبثاق الروح القدس من
عند الآب (يوحنا 15 : 26). فالقضية إذن ليست امتداداً
للوغوس
الفلسفة الذي
لايعرف "سر الثالوث القدوس"، ومن المستحيل أن يكون الثالوث مفهوماً
متصلاً مع/أو امتداداً - للوغوس الفلسفة .
13_2. المستوى الثاني هو
"التفنيد الموضوعي" فلوغوس إنجيل يوحنا غائر
في
العهد القديم
لاسيما في أسفار الحكمة. فالمسيح اللوغوس، " المُـذخر
فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو 2 : 3) يتحدث عن ذاته كشخص، في سفر الأمثال، الإصحاح
الثامن قائلا :" أنا الحكمة " (12) ), أنا الفهم. لي القدرة (14) . وكخالق يتحدث عن ذاته, بينما هو ليس بمعزل
عن أبيه، أي بينما هو كائن فيه إذ يقول " الرب قناني
أول طريقه ، من قبل أعماله، منذ القدم. منذ الأزل مسحت، منذ البدء،
منذ أوائل الأرض"( 22 و 23). وأيضا يقول "كنت عنده صانعاً، وكنت
كل يوم لذته، فرحة دائما قدامه"( 30 )
- وفي
سفر " حكمة سليمان " ، الإصحاح السابع، نجد عبارة مدهشة تشير إشارة جلية
إلى ديناميكية اللوغوس، كأحد اقانيم الثالوث وهي عبارة "لأن
الحكمة أسرع حركة من كل متحرك فهي لطهارتها تلج وتنفذ في كل شيء" (24)
ولو أردنا أن نفكر في لوغوس إنجيل يوحنا، كامتداد، فهو بالتأكيد امتداد مُـتنام تحمله لغة الوحي الإلهي، المتصل بين العهدين، القديم والجديد، وليس بين العهد الجديد والفلسفة، إذ أن مفهوم العهد القديم (للوغوس) يتجاوز ويتخطى في عمقه، المفهوم الفلسفي ؛ فالحكمة ليست مجرد سببية, غير شخصية, ضالعة خلف وجود الكون، بل هي كيان شخصي مُـستعلن وظاهرفي الله ذاته، فهي في حكمة سليمان "بخار قوة الله " (7 :25)، وهي "ضياء النور الأزلي ومرآة عمل الله النقية وصورة جودته. تقدر على كل شيء وهي واحدة وتجدد كل شيء وهي ثابتة في ذاتها" (7 :26و27)
ولو أردنا أن نفكر في لوغوس إنجيل يوحنا، كامتداد، فهو بالتأكيد امتداد مُـتنام تحمله لغة الوحي الإلهي، المتصل بين العهدين، القديم والجديد، وليس بين العهد الجديد والفلسفة، إذ أن مفهوم العهد القديم (للوغوس) يتجاوز ويتخطى في عمقه، المفهوم الفلسفي ؛ فالحكمة ليست مجرد سببية, غير شخصية, ضالعة خلف وجود الكون، بل هي كيان شخصي مُـستعلن وظاهرفي الله ذاته، فهي في حكمة سليمان "بخار قوة الله " (7 :25)، وهي "ضياء النور الأزلي ومرآة عمل الله النقية وصورة جودته. تقدر على كل شيء وهي واحدة وتجدد كل شيء وهي ثابتة في ذاتها" (7 :26و27)
14. مدلول التشابه العجيب
الرؤية الصحيحة للوغوس الفلسفة (من
قبل اللاهوت المسيحي) ينبغي أن تكون في سياق أشمل وأعم؛ فينظر إليه كقاعدة لهرم
"معرفة اللوغوس" (إذا
جاز التعبير) ، إذا يبدو اللوغوس "القوة
الحاضرة والفاعلة والمحققة لوجود الكون". وفوق هذه القاعدة يبنى مفهوم اللوغوس في العهد القديم،
إذ يبدو
اللوغوس شخصا
أزلياُ وليس مجرد قوة كونية أو وعي كوني. ثم تأتي قمة الهرم, في مفهوم العهد الجديد،
لاسيما إنجيل يوحنا, في تجلي اللوغوس كشخص
يحقق الوجود الإلهي ذاته، ويحقق بتجسده,
وجود الخليقة الجديدة في ذاته. وفي هذا السياق يبدو لوغوس الفلسفة اليونانية
القديمة عتبة معرفية هامة تتواصل مع إعلان الوحي الإلهي المتدرج، فيبدو شخص المسيح، اللوغوس
(في
النهاية) هاجساً إنسانياً فلسفياً، يتكمل ويتجلى في الطرح المسيحي للمفهوم .
15. وفي دراستنا لمفهوم "
الكلمة " عند القديس يوحنا ، وهل
تأثر بفلسفة فيلون ، كتبنا الآتي :
السؤال
الهام هو: هل مفهوم "اللوغوس" الذي قدمه القديس يوحنا عن السيد المسيح
هو ترديد لمفهوم " اللوغوس " كما شاع في الفكر الفلسفي اليوناني، وعند
فيلون الفيلسوف اليهودي السكندري، وهل يمكن القول (كما ادعي البعض) أن فيلون
اليهودي – لقرب عهده بالمسيحية ، قد أثر في كتابات القديس يوحنا ، فيما قدمه عن
المسيح اللوغوس؟
بلا شك،
فإن القديس يوحنا في تلقيبه للسيد المسيح باللوغوس، قد استعمل الاصطلاحات التي
سادت في ذلك العصر. وفي إقامته في أفسس، لابد أنه تعرف علي صور ومصطلحات الفكر
اللاهوتي السكندري. ولكن أليس من الصواب أن يقال أن القديس يوحنا استعمل كلمة
"لوغوس" لكي يقدم المفهوم السليم عن طبيعة الله وعن علاقته بالعالم،
ويصحح النظريات الخاطئة التي سادت في عصره عن مفهوم العلاقة بين غير المحدود أو
بين الله والعالم؟ أن تعاليم القديس يوحنا عن اللوغوس، تختلف عن فلسفة فيلون ولا
تستند إليها. والاختلافات بينهما واضحة جلية. وإذا كان حقا أن كلا الاثنين
يستعملان نفس اللفظ، لكن مفهوم اللفظ عند كل منهما يغاير مفهومه عند الآخر أن
طبيعة الكائن الذي يطلق عليه اللوغوس، يختلف تماماً من الواحد عند الآخر. وان
اللوغوس عند يوحنا هو " شخص " يشعر بذاته، بينما هو عند فيلون لا شخصي.
وتحت تأثير الفكر اليهودي، يدعو فيلون اللوغوس بالملاك الرئيس، وتحت تأثير الفكر
الأفلاطوني يدعوه مثال المثل. وتحت تأثير الرواقيين يدعوه "العقل اللا
شخصي". ومن المشكوك فيه أن يكون فيلون قد تصور اللوغوس كشخص. أن جميع الألقاب
التي يعطيها له، تشير إلى أنه يتمثل اللوغوس، بالعالم المثالي، الذي عليه صيغ أو
صنع أو شكل العالم الحسي. وعند فيلون، أكثر من ذلك، فإن وظيفة اللوغوس تنحصر في
خلقه العالم وفى الحفاظ عليه، فهو لم يربطه أو يوحده بالمسيا. لقد نظرية فيلون إلى
حد كبير استبدالاً فلسفياً للرجاء المسياني. وربما يكون قد أدرك أن اللوغوس يعمل
من خلال المسيا لكنه لم يوحد بين اللوغوس والمسيا. وان اللوغوس عنده مبدأ عام، أما
عند القديس يوحنا، فإن المسيا هو اللوغوس نفسه، يوحد نفسه مع الإنسانية ويتجسد
ليخلص العالم .
أن
الفكرتين تختلفان في الأصل. أن إله فيلون غير الشخصي لا يمكنه أن يصل إلى الخليقة
المحدودة دون أن يتلوث جوهره الإلهي. ولأجل ذلك، فلا بد من تدخل عامل أقل متوسط،
أما إله يوحنا من الجهة المقابلة، فهو شخصي ، وشخصيته محبة، وهو آب (1 : 18) أن جوهره هو المحبة (3 : 6 ،1 يو4 : 8 ، 16) وهو يدخل في علاقة مباشرة مع العالم الذي يرغب في خلاصه. واللوغوس
هو الله نفسه وقد ظهر في الجسد. وبحسب فيلون، فإن اللوغوس لم يكن يوجد مع الله الأزلي.
أن المادة الأزلية توجد قبل اللوغوس. أما حس القديس يوحنا، هو مع الله جوهر واحد
منذ الأول (1 : 2) وهو الذي يخلق كل الأشياء، بما في ذلك المادة (1 : 3). ولما كان اللوغوس يتضمن في مدلوله كلا من الفكر والكلام الذي
يعبر عن الفكر، هكذا فإن السيد المسيح يرتبط بالله كما يربط الكلام بالفكر. علي أن
الكلام هنا ليس مجرد اسم يعبر عن الفكر، بل الفكر نفسه يعبر عنه. أن الفكر هو
الكلمة الباطلة. أن اللوغوس عند يوحنا هو الله الشخصي الحقيقي(1 : 1).
أنه
الكلمة الذي كان أصلا مع الله قبل خلق العالم، وكان هو الله. انه واحد مع الأب في
الجوهر وفي الطبيعة، وان كان يتميز عن الأب اقنوما (1 :1 ، 18). أن اللوغوس هو المعلن والكاشف للكيان الإلهي غير المرئي. أنه
صورة الله غير المنظور، وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب
1 : 3) وهو " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسه أن يكون
معادلا لله، لكنه أخلي نفيه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس (في 2 : 6 ، 7) وذلك من أجل فداء البشرية.
أن
استعمال لفظ " الكلمة " عن السيد المسيح، هو من أهم الألقاب التي تعبر
عن طبيعته، ومن أجل ذلك فإن القديس يوحنا عندما يسمي الأقنوم الثاني في الثالوث
القدوس (1 يو 5 : 7) فإنه يختار أن يسميه " الكلمة " فيقول : فإن الذين
يشهدون في السماء هم ثلاثة: الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد
"، ذلك لأن لفظ " الكلمة " له مدلول واسع في مجال العلاقات.
فبالإضافة الى انه يشير الي علاقة السيد المسيح بالأب الذي ولده، فهو أيضا يسير
الي الخليقة التي خلقت بواسطته ، والي التعليم الذي جاء به، والذي لا يزال يعيش في
قلوب الذين أطاعوه واستمعوا اليه. ولقد اقتصر استعمال " الكلمة " علي
السيد المسيح فقط. أما بالنسبة لأي شخص آخر، سواء كان نبياُ أو كارزاً ، فهو مجرد
"صوت" وليس "كلمة " أي ليس الفكر الباطني أو الداخلي للعقل.
الصوت هو مجرد علامة علي القصد أو النية. فيوحنا المعمدان لم يكن " الكلمة
" بل كان صوتا. أما السيد المسيح فهو التصور الداخلي للعقل " في أحضان
الأب " .
وإذا
عدنا إلى بداية الإصحاح الأول من الإنجيل للقديس يوحنا ، نجده يكتب عن السيد
المسيح علي النحو التالي: في البدء كان الكلمة (يو 1 : 1) .
والواقع
أن هذه العبارة التي افتتح بها القديس يوحنا إنجيله، هي نفس العبارة التي افتتح
بها موسى النبي سفر التكوين عندما قال " في البدء خلق الله السموات
والأرض" (تك 1 : 1). علي أن القديس يوحنا قد ارتفع بالعبارة من مدلولها الزمني
المرتبط ببدء خلقة العالم إلى الوجود المطلق السابق قبل أية خليقة أو قبل كون
العالم. أي أن البدء الذي يشير إليه القديس يوحنا لا يقصد به الإشارة إلى بدء
الخليقة أو بدء المخلوقات أو أول المخلوقات أو الحديث عن تسلسل المخلوقات من
بدايتها حتى نهايتها ، ذلك لأن القديس يوحنا لم يتحدث عن الخليقة والمخلوقات إلا
ابتداء من العدد الثالث حيث قال : كل شئ به كان (صار) وبغيره لم يكن شئ مما كان
(صار) (يو 1 : 3).
هذا
البدء أذن المرتبط بالكلمة ، ليس هو بدء زمني ولا يرتبط بالزمن. وهنالك آيات كثيرة
تتحدث عن هذا البدء دون أن تربطه بالزمن، بل تجعله قبل الزمن أو تغوص به في أعماق
الأزلية: فالآية الثالثة من الإصحاح الأول تتحدث عن وجود الكلمة قبل أن تخلق
المخلوقات أو قبل أن يكون للمخلوقات وجود أو الكلمة باعتباره علة واصل المخلوقات،
وبدونه ما كان يمكن أن يوجد شئ منها "كل شئ به كان ( صار ) وبغيره لم يكن شئ
مما كان (صار). وعن هذا الوجود المطلق للسيد المسيح تتحدث أيضا الآيات التالية :
- "والآن
مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " (يو 17 : 5)
- "
الذي كان من البدء " (1 يو 1 : 1)
- "كما
اختارنا فيه قبل تأسيس العالم " (أف 1 : 4)
- "
منذ الأزل مسحت . منذ البدء أوائل الأرض " (ام 8 : 23)
- "
من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت ارض والمسكونة ، منذ الأزل الي الأبد أنت الله
" (مز 9 : 2)
علي ان
هذا السمو في مفهوم البدء الأزلي للكلمة، لا يبدو في عبارة " في البدء "
بقدر ما يبدو في استعمال فعل الكينونة (كان
– صار) فهذا الفعل يشير إلى الوجود المطلق .
وفي نفس
هذا المدلول ، استعمل هذا الفعل في الإصحاح الثامن عشر من نفس الإنجيل، عندما أراد
السيد المسيح أن يؤكد وجوده الأزلي، بينما كان اليهود ينظرون إليه كما ينظرون إلى
أي إنسان مخلوق في زمن، فقال له اليهود " ليس لك خمسون سنة بعد أفرأيت
إبراهيم، فقال لهم يسوع : الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن "
(يو8 : 57 – 58) ، فعبارة " أنا كائن " تشير إلى الوجود المطلق للسيد
المسيح، بينما كان اليهود ينظرون إلى وجوده نظره زمنية، وحاولوا ان يحددوه بأقل من
خمسين سنة، فوضع السيد المسيح الوجود المطلق في مقابل الوجود الزمني، ووضعت
الأزلية في مقابل الزمن.
ولقد
ظهرت دقة القديس يوحنا في كتاباته في اختياره للأفعال بما يناسب المعني الذي أراد
أن يؤكده. فعندما أراد أن يتحدث عن أزلية السيد المسيح كان دقيقا في استعماله
للفعل " كان " ولم يستعمل الفعل صار الذي استعمله في الأعداد 3 و 14 ، ليشير إلى بداية وجود الخليقة وبداية التجسد ، فقال عن بداية
الخليقة " كل شئ به كان ، وقال عن بداية التجسد " والكلمة صار جسدا
" يو 1 : 14 . ومعني ذلك أن القديس يوحنا ، ليؤكد الوجود المطلق الأزلي للسيد
المسيح استعمل الفعل " كان " بينما عندما أراد أن يشير إلى الوجود في
زمن ، استعمل الفعل " صار ". فإذا قال القديس يوحنا " في البدء كان
الكلمة " فمعني ذلك كما قلنا ، أنه يؤكد الوجود الأزلي للسيد المسيح، وإذا
قال " والكلمة صار جسدا " فإنه يتحدث عن السيد المسيح عندما تجسد في
الزمن. ومن هنا قيل أن للسيد المسيح ميلادين: ميلاد أزلي نعبر عنه في قانون
الإيمان بعبارة " المولود من الأب قبل كل الدهور "، وميلاد زمني ، نعبر
عنه في قولنا " نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء "
.
كذلك يجب
أن نلاحظ الفرق بين عبارة " في البدء " التي قيلت عن الوجود الأزلي
للسيد المسيح ، وعبارة " من البدء " التي لا تشير مطلقا إلى فكرة الوجد
الأولي السابق ، كما يبدو من الآيات التالية :
- "
أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ، ذلك كان قتالا للناس من
البدء " (يو 8 : 44)
- "
أيها الأخوة لست أكتب إليكم وصية جديدة ، بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء
" (1 يو 2 : 7)
- "
وأما أنتم فما سمعتموه من البدء فليثبت أذن فيكم " (1 يو 2 : 14)
- "من
يفعل خطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء يخطئ " (1 يو 3 : 8)
هذه
المقارنة تكشف عن دقة التعبير، وتؤكد ما قصده القديس يوحنا، وهو يتحدث عن الكلمة،
من حيث إبراز ألوهية السيد المسيح ووجوده الأزلي.
نعود
فنقول : إن هذه الفكرة السامية عن البدء الأزلي تتضح أيضا
في الإشارة إلى علاقة الكلمة بالله السرمدي . إن كلمة
"البدء" يجب أن تشير إلى الخليقة ... إلى
التكونات الأولي للأشياء. ولكن إذا كان " الكلمة
" موجودا ً وقت هذا البدء كما تدل على ذلك عبارة القديس
يوحنا "في البدء كان الكلمة" فالسيد المسيح أذن لا
يتبع بدء المخلوقات ولكنه كان يرتبط بنظام الأزلية.
والحق أن الكلمة لم يكن فقط موجودا وقت هذا البدء ولكن كان
أيضا المبدأ الفاعل في هذا البدء ، أي أنه بدء
البدء.
أن
فكرة "الله" الذي هو في ذاته غير
مرئي ولكنه يكشف عن نفسه في خليقته، هي أصل فكرة "اللوغوس"
أو "الكلمة" . هذه الفكرة تنمو في العهد القديم
علي مستويات ثلاث :
1- الكلمة من حيث أنها تتضمن إرادة الله ، تُشخص في
الشعر العبري وتوصف بالصفات والخصائص الإلهية، من حيث أنها
التعبير المتصل عن الله في الناموس والنبوة كما يبدو من الآيات التالية
:
- "
بكلمة الرب صنعت السماوات " (مز 33 : 4)
- "
يبس العشب ، ذبل الزهر، وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد " (ا ش 40 : 8 )
- "
سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي " (مز 119 : 105)
والكلمة
" شافية " في مز 107 : 20 " أرسل كلمته فشفاهم " وهي المنفذة لأوامر
الله في أش 55 : 11 " هكذا تكون كلمتي التي تخرج من
فمي، لا ترجع إلى فارغة، بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها
له ".
2- الكلمة من حيث أنها الحكمة المُشخصة (أيوب 28 : 12) وما بعده ، أم 8 : 9
"وهنا أيضا
تكمن فكرة كشف ما هو مخبوء. ذلك لأن الحكمة مخبوءة عن الإنسان لا
يعرف الإنسان قيمتها ولا توجد في أرض الأحياء الغمر
يقول ليست هي في والبحر يقول ليست هي عندي. لا يعطي
ذهب خالص بدلها... فمن أين تأتي الحكمة وأين هو مكان الفهم. إذا
خفيت عن عيون كل حي وسترت عن طير السماء " ( أيوب 28 : 12 - 21) . وحتى الموت الذي يعرف كثيرا من الأسرار،
يكشفها كخبر ( 28 : 22 ) فقط الله هو... الذي يفهم طريقها وهو
عالم بمكانها ( 28 : 23) وهو الذي جعل للريح وزنا ويعاير المياه بمقياس، وجعل
المطر فريضة ومذهبا للصواعق" ( 28 : 25 ، 26 )
+ وتقول
الحكمة: الرب قناني أول طريقة. من قبل أعماله منذ القدم منذ الأزل مسحت. منذ
البدء, منذ أوائل الأرض ، إذ لم يكن غمر ابدئت .إذ لم
تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل
التلال ابدئت. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة.
لما ثبت السماوات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة علي
وجه الغمر، لما اثبت السحب من فوق. لما تشددت ينابيع الغمر. لما
وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمنه. لما رسم أسس الأرض كنت عنده
صانعا وكنت كل يوم لذته فرحة دائما قدامه، فرحة في مسكونة أرضه ولذاتي مع بني
آدم" (أم 8 : 22 – 31)
+ وهذا
التشخيص للحكمة، يعني أن الحكمة ليست مغلقاً عليها في
الله ولكنه أيضا تصير واضحة وظاهرة في العالم " عند رؤوس
الشواهق ، عند الطريق بين المسالك تقف. بجانب الأبواب عند
ثغر المدينة، عند مدخل الأبواب تصرخ" (أم 8 : 2 ، 3 ) ( أنظر أيضا
ام 9 : 1 – 6) أن الحكمة تظهر كواحد يقود إلى الخلاص ويفهم كل
إعلانات الله ، وتقدم كخاصية تحتضن وتضم جميع الخصائص الإلهية
الأخرى .
3- ملاك يهوه أن رسول الله الذي
يتصرف كوكيله في العالم المحسوس , وفي بعض الأحيان يميز عن
يهوه ، وأحيانا أخري يوحد معه (انظر تك 16 :7 – 13) ملاك الرب وهاجر، (تك 32 : 24- 28 ) مصارعة يعقوب لله، (هو 12: 4، 5 ) دينونة ال يعقوب، (خر 23 : 20 ،21 ) ارسال الله ملاك لحمايه شعبه ، (ملا 3 : 1) نبوه عن المسيح والمعمدان.
16. الحديث
عن الكلمة في سفر الحكمة :
إن الأسفار
الحكيمة كالأمثال والجامعة وحتى أيوب، إذ منحت الحكمة صفة الذاتية، بنوع يشتم منه
عن بعد ، لاهوت "الكلمة" عند القديس يوحنا، إنما
امتدحتها بذلك كصفة إلهية، ومثال أعلي للرجل المتدين. وهذه
النظرية تحتل مكانا أكبر في السفر الذي اتخذ الحكمة كاسم
خاص به (الكتاب المقدس - الطبعة الكاثوليكية - مقدمة سفر الحكمة).
إن
الحكمة في هذا السفر، ينظر إليها كاسم آخر لملء الطبيعة الإلهية. وهي توصف
ككائن نوراني يخرج جوهرها من الله. أنها الصورة الحقيقة له. هي مبدأ حقيقي مستقل
يكشف الله في العالم ويتوسط بين الله والعالم. وأطلق علي الحكمة
لقب " المولود الوحيد " (حك7 : 22)
"فانها نفحه من قدرة
الله و انبعاث خالص مجد القدير .. لانها انعكاس النور الازلي و مراة صافيه لقوة
الله وصورة صلاحه .. اما الحكمه فلا يغلبها شر". (حك7 :25 -30)
"يا اله الاباء يا رب
الرحمة يا صانع الجميع بكلمتك .. ومكون الانسان بحكمتك لكي يسود على الخلائق التي
كونتها .. هب لي الحكمة الجالسة الى عرشك .. ان معك الحكمة العليمة باعمالك و التي
كانت حاضرة اذ صنعت العالم". (حك 9: 1-9)
اشكر صديقي
المهندس/ مينا ميلاد
علي تعاونه
الكبير في مادة البحث
اعداد خادم
اسرة بولس الرسول
عماد فايز
love
ردحذفlove
ردحذفجميل جدا جدا جدا
ردحذفNice
ردحذفPokies Casino Review | Microgaming
ردحذفPokies Casino is one of the latest Microgaming online 강원 랜드 쪽박 걸 가격 casinos 토토 사이트 중계 available. 슬롯머신 It has over 토큰룰렛 2000 games, slots and table games. There are over 슬롯사이트 25