الخميس، 26 يناير 2012

الصعود والقداس الالهي


الصعود والقداس الالهي
          دكتور/ نصحى عبد الشهيد

اولا البعد السمائى للفداء :
بعدما قدم المسيح نفسه ذبيحة عن خطايانا على الصليب وقام من الاموات معلنا ابادته للموت وسحقه للشيطان ، صعد الى السماء بجسد قيامته الممجد وجلس فى عرش المجد مع الاب . وكما يقول الرسول فى العبرانيين ان المسيح "بدم نفسه دخل مرة واحدة ال قدس الاقداس فوجد فداء ابديا " (عب9: 12) ، وهكذا اكمل مصالحتنا مع الاب .

1.  الاقداس السماوية او الهيكل السمائى هو حضرة الاب الفائقة المجد ، التى كان هيكل اورشليم رمزا لها ، والمذابح الموجودة فى كنائسنا هى استحضار سرائرى للمذبح والهيكل السماوى .

2. الكهنوت الذى بدأ الرب يسوع ممارسته على الارض بتقديم نفسه ذبيحة على الصليب هو كهنوت ابدى ، فقد دخل بذببيحته الى الهيكل السمائى . فذبيحة الصليب قبلت فى السماء امام مذبح مجد الله المستتر غير المنظور . وبصعوده بعد القيامةودخوله الى الاقداس السماوية وجلوسه عن يمين الله تحقق وعد الله : "انت كاهن الى الابد على رتبة ملكيصادق" (مز110: 4).

3.  الكهنوت الابدى على رتبة ملكيصادق يتم فى حضرة الاب كما يقول الرسول "لان المسيح لم يدخل الى اقداس مصنوعة بيد اشباه الحقيقية بل الى السماء عينها ليظهر الان امام وجه الله لاجلنا " (عب9: 24) ، وبوجوده بالجسد الممجد امام الاب فهو يشفع كوسيط بين الله والناس ، وكشفيع بكفارة ذبيحته عن خطايانا وخطايا كل العالم كما يقول يوحنا " فلنا شفيع عند الاب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا وليس لخطايانا فقط بل لكل العالم ايضا " (1يو2: 1-2).
وكرئيس كهنة سمائى للخيرات العتيدة يوزع خيرات الدهر الاتى ، خيرات الروح القدس " (انظر عب9: 11).

4. ان انسكاب الروح القدس يوم الخمسين هو العلامة التى لا شك فيها على ان ذبيحة رئيس الكهنة المسيح قد قبلها الاب كما قال بطرس الرسول يوم الخمسين "اذ ارتفع الى يمين الله واخذ موعد الروح القدس من الاب ، سكب هذا ..." (اع2: 23).

5.  المسيح رئيس الكهنة فى صلوات القداس الالهى :
 + فى قسمة سبت الفرح: "يا يسوع ذا الاسم المخلص ... انت هو ملك الدهور غير المائت الابدى كلمة الله الذى على الكل راعى الخراف الناطقة ، رئيس كهنة الخيرات العتيدة ، الذى صعد الى السموات ، ودخل حجاب موضع قدس الاقداس ، الموضع الذى لا يدخل اليه ذو طبيعة بشرية وصار سابقا عنا ، صائر رئيس كهنة الى الابد على رتبة ملكى صادق ".
+ فى قسمة القايمة للابن: "ايها" المسيح الهنا رئيس كهنة الخيرات العتيدة ، ملك الدهور غير المائت الابدى ، كلمة الله الذى على الكل ، الذى انعم علينا بهذا السر العظيم الذى هو جسده المقدس ودمه الكريم لغفران خطايانا ".

6.  رئيس الكهنة الابدى دخل كسابق لاجلنا :

يقول الرسول فى العبرانيين ان الرب يسوع دخل الى ما داخل الحجاب " كسابق لاجلنا صائرا على رتبة ملكيصادق رئيس كهنة الى الابد " (عب6:20).
+ هذه الاية تعبر عن حقيقة فى غاية الاهمية لفهم العبادة المسيحية ، وهى ان المسيح دخل الى الاقداس السمائية ليس فقط كرئيس كهنة بل ايضا "كسابق لنا". فبدخوله الى ما داخل الحجاب اى الى قدس الاقداس السمائى ، فان المسيح يجذبنا وراءه الى الفة حياة الثالوث القدوس ، التى كانت قبل ذالك مستحيلة الوصول اليها بالنسبة للبشرية الساقطة ، اى ان المسيح يدخلنا الى صميم المجد الالهى ذاته الذى كان يرمز اليه قدس الاقداس فى هيكل اورشليم ( وقبله فى خيمة الاجتماع(.
+ وهكذا بدخول المسيح كسابق لاجلنا بدأ يتكون موكب مقدس مهيب: هذا الموكب راسه الرب يسوع رئيس الكهنة الممجد فى السماء ، هذا الموكب يصعد وراء الرب يسوع ، وهو مكون من سحابة الشهود من القديسين والمؤمنين فى كل العصور يتبعون الرب يسوع داخلين الى الاقداس وراء السابق. وهنا يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
"المسيح رفع الكنيسة كما لو انه سحبها بواسطة الة رافعة وقادها الى علو عظيم حتى اجلسها على ذالك العرش لانه حيث يكون الراس يكون الجسد ايضا)" على افسس3: 2).

فالابن الوحيد الممجد بالجسد فى السماء يسير معه الابناء بالتبنى كشركاء معا فى نفس العمل . لاننا " قد صرنا شركاء المسيح بتمسكنا ببداءة الثقة للنهاية (انظر عب3: 14).  ويكونون مثل راع وخرافه (عب13: 20) . فهم جميعا يشكلون مجموعة واحدة فى سيرهم ال فوق الى الامامان دخول رئيس الكهنة الى  حضرة الله ينبغى ان يعتبر انه دخول سابق يتبعه الباقون (عب6: 20). هو يفتح الطريق ، فهو يدخل اولا لكى يفتح ويكرس الطريق يقول الرسول ... لنا ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب اى جسده " (عب10: 19-20).

وهكذا فالمؤمنون يلزمهم فقط ان يتبعوه ليدخلوا هم انفسهم الى السماء . وعن هذا ، الدخول وراء المسيح الى السماء . يقول القديس اثناسيوس الرسولى : (وافتتح طريقا جديدا للصعود الى السماء كما هو مكتوب " ارفعوا ايها الرؤساء ابوابكم وارتفعى ايتها الابواب الدهرية " .(مز24: 7). فلم يكن الكلمة نفسه هو المحتاج لانفتاح الابواب اذ هو رب الكل . فلم تكن مخلوقاته مغلقة فى وجهه ، فهو الذى خلقها ، بل نحن الذين كنا فى احتياج الى ذالك (اى افتتاح الابواب). نحن الذين حملنا فى جسده الخاص . لانه كما قدم جسده للموت عن الجميع ،هكذا ايضا بهذا الجسد عينه ، اعد الطريق الصاعد الى السموات ) (تجسد الكلمة 25: 6).

ويقول ايضا : (وبما ان الكلمة وهو صورة الاب ، وهو غير مائت ، قد اتخذ صورة عبد ، وكانسان عانى الموت بجسده من اجلنا ، لكى بذالك يبذل نفسه للاب بالموت من اجلنا ، لكى كما بموته قد متنا جميعا فى المسيح ، وعلى نفس المنوال ايضا ، فاننا فى المسيح نفسه ايضا قد مجدنا مجدا عاليا ، مقامين من الاموات وصاعدين الى السموات ، حيث دخل يسوع كسابق لاجلنا (عب6:20)،  "لا الى اقداس اشباه الحقيقية ، بل الى السماء عينها ليظهر الان امام وجه الله لاجلنا " (عب9: 24). (ضد الاريوسيين 1: 41).

+ الكنيسة مكان تكوين الموكب:

المكان المعين لاجل تكوين هذا الموكب العظيم ، هو الكنيسة بيت الله ، التى راسها هو رئيس الكهنة نفسه و" واذ لنا كاهن عظيم على بيت الله . فلنتقدم بقلب صادق " (عب10: 21-22) ومحور عبادة الكنيسة يتركز فى قداس الافخارستيا الذى تقيمه الكنيسة . هذه الافخارستيا هى متحدة مع تقدمه يسوع السمائية . فالافخارستيا هى انعكاس ليتورجى للعبادة السمائية التى يقودها يسوع رئيس الكهنة ، كما انها (اى الافخارستياايضا هى ذكر ذبيحة المسيح على الصليب فى الزمن .

ثانيا : الصعود فى العبادة الافخارستية :
 7. قداس الافخارستيا هو عمل الكنيسة الجماعى الذى تعبر بواسطته عن دعوتها الكهنوتية . والكنيسة تشترك فى عمل المسيح الكهنوتى ، عمل عريسها الالهى . " وجعلنا ملوكا وكهنة لله ابيه " رؤ5: 10. وانظر ايضا خر19: 6، 1بط 2: 5-9 .
فكل الكنيسة تشترك فى ذبيحة المسيح فى خدمة الافخارستياوعن طريق الكاهن ( المشرطن) ، فان الكنيسة تكون هى رئيس كهنة العهد الجديد ،وتتشفع عن الجنس البشرى فى شخص المسيح الممجد امام عرش الله . لذالك فان عبادة الكنيسة تشكل استحضارا ليتورجيا وسرائريا لذبيحة الصليب ولكهنوت المسيح السمائى ، ففى عبادة الكنيسة يتم ذكر وجهى خدمته ( الوجه الارضى والوجه السمائى ) وتصويرهما .
 فان نفس العلاقة الموجودة بين موت المسيح على الصليب وذبيحته داخل الحجاب فوق الزمان والمكان_ هذه العلاقة نفسها ينبغى التاكيد عليها بين ذبيحته السمائية وبين خدمات الافخارستيا المتعددة على المذابح فى الكنائس على الارض .

8. فالجانب او الوجه الارضى (اى ذبيحة الصليب والقيامة ) يذكر فى تذكار الالام عندما يردد الكاهن الخديم وصية المسيحاصنعوا هذا لذكرى، والكلمات التى نطقها المسيح عندما اسس العشاء الاخير .

9. اما الجانب السمائى لذبيحة المسيح ( اى تقديم ذاته وشفاعته امام عرش الله ). فهو ليس موضوع تذكر لانه يتجاوز الزمان والمكان . ولان هذا الجانب السمائى ليس موجودا فى الماضى مثل الجانب الارضى ، لذالك يمكن فقط ان يكون موضوع "دعاء" او استدعاء موجه للاب فى السماء . وبهذا الدعاء تنضم الكنيسة الى شفاعة المسيح الكهنوتية ، متوسلة الى الله ان يعطى الروح القدس ليحل على المؤمنين المصلين مع الكاهن ، وعلى التقدمات ( القرابين ) الموضوعة على المذبح . ال"ابيكلسيس" اى استدعاء الروح القدس ، وتوقع حلوله يقابلان فى تاريخ الكنيسة الايام العشرة بين الصعود والعنصرة حينما كان الرسل مجتمعين فى العلية ينتظرون بفرح مجئ المعزى الذى وعدهم به المخلص يسوع .

هذان الجانبان _ التذكار والاستدعاء _ هما فى الحقيقة غير منفصلين ، ولكن يجب ان نعمل تمييزا بينهما ، لان اعطاء الروح القدس هو البرهان والضمان والعربون على ان الاب قد قبل التقدمات  الافخارستية المقدمه امامه ، كما انه بواسطة نزول الروح القدس تتقوى وحدة قطيع الراعى معا . واذ يتشدد القطيع بمواهب الروح المنسكبة عليه ، فانه يتحرك متقدما نحو المذبح السمائى متبعا خطوات "السابق" الداخل معه.

10. ان صلاة الكنيسة هى طلب حضور الملكوت ، وصلاتها ممتلئة باليقين الظافر بان الملكوت قريب ، بل ان الملكوت فى داخلنا .
ان صلاة الكنيسة هى دعاء وتوقع للعنصرة ، حينما سكب الاب ، استجابة لطلب الرب يسوع ، انهار الماء الحى _ الروح القدس_ على الكنيسةان هذه الحقيقة الحاضرة المشعة للملكوت تصير ملموسة بصورة بارزة فى صلاة الكنيسة .

ان كل حياة الكنيسة المسنودة بالمواهب الروحية ،بكل ما فيها من صلوات وخدمات ليتورجية ، واسرار _ التى فيها تنسكب نعمة الروح القدس باستمرار ، كل هذه تخص ملكوت الله . وكاعضاء الكنيسة فنحن ندخل الى ذالك الملكوت ونشترك فيه .
11. هذا البعد السمائى : يجرى التعبير عنه بشكل مستمر فى القداس كله ، كما نلاحظ فى كل اجزاء القداس ، فى تقديم البخور والقرابين، فكل التقدمات تدخل الى المذبح المقدس الناطق السمائى وكذالك نفوس القديسينرفعه قديسيه الى العلا معه ، اعطاهم قربانا لابيه " . القداس يعيد لنا حياة الكلمة المتجسد على الارض كما يقدم لنا صعوده فى المجد السمائى .

12. قداس الموعوظين : يبدا قداس الموعوظين _ قداس الكلمة_ بتمجيد الثالوث الاب والابن والروح القدس " مجدا واكراما للثالوث".
فالهدف الكلى للعبادة المسيحية هو تمجيد الثالوث واعلان مجئ وبنيان الملكوت فى كل المسكونة . اى الكنيسة الجامعة الواحدة.
قداس الموعوظين هو تحرك مستمر للنفوس نحو السماء ، حيث يصل الى ذروته فى تسبحة الثلاثة تقديسات "قدوس الله ، قدوس القوى ، قدوس الحى الذى لا يموت ...".  هذه التسبحة هى تهليل الخورس الموحد المكون من الملائكة والبشر مدمجين معا فى كنيسة واحدة من خلال المسيح الذى هو من السماء ومن الارض معا. ولهذا فان التسبحة تقال قبل قراءة الانجيل مباشرة مما يعنى ان المسيح بمجيئه بيننا _ وهذا ما تشير اليه قراءة الانجيل _ ان المسيح المتجسد حاضر من خلال قراءة الانجيل _ ولذالك نقف اثناء قراءته _ قد وضعنا مع الملائكة وأسكنا وسط الطغمات الملائكية .

"الذى ثبت قيام صفوف غير المتجسدين فى البشر، الذى اعطى الذين على الارض تسبيح السيرافيم. التقديسات الثلاث هى صيغة مسيحية لتسبحة الشاروبيم " قدوس قدوس قدوس " الواردة فى رؤيا اشعياء (6: 3). ويذكر القداس اكثر من مرة تسبحة الشاروبيم ، مما يؤكد على مشاركة الملائكة بشكل مباشر فى سر الافخارستيا ، وعلى وحدة الكنيسة المنظورة مع الكنيسة غير المنظورة ، الوحدة التى مركزها المسيح الممجد الحاضر على المذبح .الملائكة الذين هم حول العرش الالهى والذين يسبحون الله بغير سكوت يكونون حاضرين غير منظورين فى قداس الكنيسة ومعهم كل اعضاء الكنيسة المنتصرة غير المنظورة من القديسين والمؤمنين المنتقلين فى كل العصور السابقة مجتمعين حول الحمل .

13. قداس المؤمنين:
 يبدا بعد قراءة الانجيل والعظة :
بعد تقديم صلوات تشفعية عن سلام الكنيسة والاباء والاجتماعات يقول الشعب قانون الايمان . ونلاحظ ان قانون الايمان هو اعلان ايمان الكنيسة بالاب والابن والروح القدس ، كما بدا قداس الموعوظين عند تقديم الحمل بتمجيد الثالوث كما نلاحظ كلام تفصيلى عن شخص ابن الله يسوع المسيح فى الوهيته وتجسده من العذراء بالروح القدس وموته وقيامته ثم صعوده ، واعلان انتظار مجيئه من السماء " فى مجده" ويختم القانون باعلان انتظارنا لقيامة الاموات والحياة فى الدهر الاتى.
14. صلاة الصلح :
تهدف صلاة الصلح بمصالحتنا مع الاب وصلحنا بعضنا مع بعض بالسلام النابع من المسيح ، ان نستعد بالقبلة المقدسة للاشتراك فى الخدمة السمائية التى نرتفع اليها بقيادة المسيح رئيس الكهنة السمائى والتى ستنتهى باشتراكنا فى الموهبة السمائية غير المائتة (اى التناول من جسده ودمه(.
 بعد رفع الابروسفارين (غطاء التقدمة ) الذى يعنى اعلان قيامة المسيح _ مثل رفع الحجر عن قبر المسيح _ يقول خادم السر " ارفعوا قلوبكم" . اى " اهتموا بما فوق حيث المسيح جالس" (كو3: 1-2). ويجيب المؤمنون "هى عند رب اى ان قلوبهم فوق حيث يوجد كنزهم المسيح حسب قول المسيح نفسه ( انظر مت 6:21). فالكنيسة تذكر دائما حركة القداس الصاعدة الى فوق التى تلتقى من خلالها الارض بالسماءففى القداس نحن نشترك فى القداس الالهى السمائى الابدى ، والسماء نفسها تنحنى نحونا وتطوقنا ، وترفع طبيعتنا البشرية المتجلية الى السماء .
وكل الزمن المؤقت يتقدس وينال قيمة الابدية .

15. نداء "ارفعوا قلوبكم" : موجود فقط فى قداس الافخارستيا وحده بينما اعطاء البركة والسلام والشكر "موجود تقريبا فى كل صلوات الكنيسة الليتورجية الاخرى . والسبب فى وجوده فقط فى الافخارستيا هو انه اكثر من مجرد دعوة للمؤمنين ان يثبتوا افكارهم فى الامور التى فوق . فهذا النداء يذكر الكنيسة ان الافخارستيا تتحقق فى السماء لاننا احيينا مع المسيح بنعمة الله المخلصة بعد ما كنا امواتا بالخطايا "واقامنا الله معه واجلسنا معه فى السماويات فى المسيح يسوع" (اف2: 5-6).

وهكذا فان الكنيسة رفعت الى السماء فى المسيح . والسماء هنا تعنى ملكوت المجد الظاهر فى المسيح . فالقداس هو سر الدهر الاتى ، سر الملكوت السمائى ،بمعنى ان ما يتمم فى الزمن على الارض هو اعلان عن ما هو سمائى ، وابدى ، وهذا الذى يتم هنا يتيح لنا امكانية ان نشارك فى تلك الامور السمائية .
وهكذا فان المصلين يرتفعون مع المسيح فى صعوده الى السماء ويدخلون وراء رئيس الكهنة خادم الاقداس السمائية والمسكن الاعظم الذى ليس من هذه الخليقةوهذا النداء "ارفعوا قلوبكم" يذكرنا بطبيعة الكنيسة انها سمائية ويذكرنا بهدف خدمة القداس الالهى .

يقول ذهبى الفم :"ما قيمة السماء بالنسبة لى ، بينما انا اتامل رب السماء نفسه ، صائرا انا نفسى سماء " ، وكما وعد المسيح "ان احبنى احد ... يحبه ابى ، واليه ناتى وعنده نصنع منزلا" (يو14: 23).

16. تسبحة الشاروبيم والسيرافيم : (اش6: 3) و(رؤ4: 8) هذه التسبحة هى جزء اساسى من الصلاة الافخارستية . انها تعبير كامل عن نشيد النصرة والتسبيح الذى يسبح به الملائكة والبشر معا _ سكان السماء والارض معا _ (وكما ذكرنا يتم هذا التسبيح بصورة اخرى قبل الانجيل (الثلاثة تقديسات).
وهذا هو معني الليتورجية الالهية اي "الخدمة الالهيةفهي دخول الي حضرة الله وتسبيحه والاشتراك في تمجيده مع الملائكة " مستحق ومستوجب .. ان نسبحك ونباركك .. قدوس قدوس قدوس.

ويشير القداس الغريغوري الي هذه التسبحة بنداء خاص يوجهه الشماس بعد "قبلوا  بعضكم بعضا ً..." " ايها الاكليروس وكل الشعب بطلبة وشكر بهدوء وسكوت ارفعوا قلوبكم الي ناحية الشرق لتظروا المذبح وجسد ودم عمانوئيل الهنا موضوعين عليه. والملائكة ورؤساء الملائكة قيام, السيرافيم ذوو الستة اجنحة والشاروبيم الممتلئون اعينا ً يسترون وجوههم من اجل بهاء عظمة مجده الغير منظور ولا منطوق به, يسبحون بصوت واحد صارخين قائلين قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت. السماء والارض مملوئتان من مجدك الاقدس".

والقداس الالهي يدخلنا في جو العبادة السمائية. وكل ما تقدمه الكنيسة هنا علي الارض من صلوات وتسابيح وقرابين انما تقدمها امام مذبح الله الناطق السمائي. والمذبح الناطق اي العقلي هو حضرة الله ومجده اي عرش الله كما ذكرنا فالكنيسة تتقدم الي الله الاب في المسيح رئيس كهنتنا, وتطلب ان يكون المؤمنون "ذبائح ناطقةوتقدم "صعائد بركة" "وبخورا ً روحياً يدخل الي حجاب في موضع قدس اقداسك" (بخور البولس(.

17. بعد تسبحة الشاروبيم:
يصلي الكاهن مقدسا ً الله الذي الانسان ثم يسرد تاريخ تدبير الخلاص – السقوط. واستمرار اهتمام الله ومحبته للانسان بالانبياء وفي اخر الايام ظهر لنا بتجسد الابن الوحيد, ويذكر عمل المسيح علي الارض حتي الصليب والنزول الي الجحيم والقيامة والصعود والجلوس عن يمين الاب وانتظار ظهوره الثاني للملك والدينونة.
وبعد نهاية هذه الصلاة الافخارستية الكبيرة تاتي مرحلة.

18. كلمات التأسيس:
 "اخذ خبزاً  .. وشكر .. ثم اخذ الكأس .. وشكر"
ايمان الكنيسة و الارثوذكسية واختبار ابائها في صلوات القداسات يوضح ان الذي يقوم بخدمة الافخارستيا في قداس الكنيسة هو المسيح نفسه. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "آمنوا انه هذا (القداس) هو نفسه العشاء الذي جلس فيه الرب نفسه علي المائدة, وان هذا العشاء الان (القداس) لا يختلف بأي حال عن ذاك (في العلية). لانه ليس صحيحا ً ان هذا العشاء (القداس) يُـعد بواسطة انسان بينما ذاك اعد بواسطة المسيح  . فاليوم مثله مثل (العشاء الاول), فان الرب هو الذي يعمل ويقدم (كل التقدعندمات). نحن (الكهنة) نتخذ دور الخدم, انه هو نفسه (الرب) الذي يبارك ويحول (الخبز والخمر).

لذلك عندما تري الكاهن يعطيك الاسرار المقدسة فلا تظن ان الكاهن هو الذى يقوم بذالك ، ولكنها يد المسيح التى تمتد اليك . المسيح حاضر والذى اعد المائدة الاولى هو نفسه الذى اعد هذه المائدة . لانه ليس انسانا هو الذى يجعل التقدمة تصير جسد المسيح ودمه بل المسيح نفسه الذى صلب لاجلنا . الكاهن هو المندوب (الذى يمثل المسيح) حينما ينطق نفس الكلمات التى قالها الرب ، ولكن القوة والنعمة هما من الرب وهذا ما تعبر عنه بوضوح مقدمة القسمة فى القداس الغريغوريوى "يا لذى بارك ... الان ايضا بارك يالذى قدس... الان ايضا قدس... يا لذى قسم ... الان ايضا قسم ... الان ايضا اعطنا وكل شعبك .."
 فالمسيح رئيس الكهنة السمائى حاضر فى القداس ويعمل بالروح فى الكاهن المصلى والكنيسة العابدة كلها ليقدم لهم جسده ودمه.

19. وهذا ما يتحقق بحلول الروح القدس بصلاة " استدعاء الروح"  (ابيكلييس)  ليحل على المؤمنين وعلى القرابين ، وهنا تتم عنصرة حقيقية فى هذا اللحظة حينما يحل الروح ليس فقط على القرابين ليقدسها وينقلها ويجعلها جسد الرب ودمه الواهبين للحياة بل ايضا على كل الكنيسة المصلية.
 وهكذا بحلول الروح القدس فان تقدمة الكنيسة تصير ضمن ذبيحة المسيح الواحدة التى قدمها على الصليب وهى الان فى الاقداس فى عرش الله .فالروح الذى يحل الان على القرابين المقدمة من الكنيسة هو نفس الروح الذى حل على الرسل فى العلية كعربون لمسرة الاب ، ومصالحتنا معه بواسطة ذبيحة ابنه وهو نفس الروح الذى به صارت ذبيحة المسيح على الصليب تقدمه ابدية امام الله (انظر عب9: 14)، وبقوة هذه الروح اقام الاب المسيح واجلسه عن يمينه ، وبقوة الروح نفسه نرفع نحن ايضا لنتبع الرب يسوع الذى دخل كسابق لندخل وراءه .

20. بالمسيح تصير الكنيسة كاهن وشفيع الخليقة كلها:
 بعد حلول الروح القدس على المؤمنين والقرابين تقوم الكنيسة بصلوات تشفع فى كل المؤمنين وغير المؤمنين والكون والطبيعة وكل المخلوقات بداية من الاواشى من اول السلامة والاباء حتى الزروع والثمار والهواء والقرابين ، وتختم التشفع بالمجمع حيث تذكر كل القديسين الذين سبقوا ودخلوا الدائرة السماوية والذين يحضرون معنا فى الافخارستيا كنيسة واحدة منظورة وغير منظروة مع الملائكة القديسين الحاضرين _ معنا لخدمة العبادة فى الكنيسة .

21.  واهدنا ((ادخلنا) الى ملكوتك:
 فبعد صلاة المجمع الذى تكون فيه الكنيسة فى شركة مع ارواح القديسين المنتقلين الى فردوس النعيم ، يطلب الكاهن من اجلنا نحن القائمين فى صلاة القداس قائلا : "واهدنا الى ملكوتك " وهذه الكلمة فى اللغة العربية "اهدنا" هى فى الاصل القبطى تعنى "ادخلنا الى داخل ملكوتك " فكلمة "ايخون" تعنى الداخل او العمق ، والتى منها اشتقت الكلمة الدارجة "الخن" اشارة الى الجزء الداخلى ، فالمصود بالطلبة ليس ان يهدينا الله من الضلال ولكن ان يمسك بايدينا طوال الطريق الى ان يوصلنا الى داخل ملكوته ن لكى نشترك فى ميراث القديسين الذين سبقونا اى فى ملكوت الله الابدى .

22. شركة واصعاد اسراره الالهية :  فى مقدمة القسمة فى القداس الباسيلى بعد ان يشكر الكاهن الله على عطيته التى اهلنا لها بان نصلى امام اقداسه ونرفع ايدينا الى فوق .. يقول الكاهن : "هو ايضا فلنساله ان يجعلنا مستحقين لشركة وصعود اسراره الالهية غير المائتة " اى يجعلنا مستحقين بواسطة الافخارستيا والاشتراك فيها الى الصعود معها الى نور الملكوت وفرحه ونصرته .

23. بعد ذالك القسمة : وصلاة "ابانا الذى " ثم الاعتراف بالثالوث "واحد هو الاب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدس" ، كما فى بداية القداس هكذا نهايته ، واعتراف ثلاث مرات بجسد ودم المسيح ابن الهنا ، عمانوئيل الهنا . ثم الاعتراف الاخير .ثم اشتراك المؤمنين فى الجسد والدم الالهيين .

24. وفى صلاة الشكر بعد التناول تعبر الكنيسة عن ما ذاقته من التصاق عميق بالله واتحاد به فى العبادة الحقيقة وتستطيع  ان تقدم شهادة اصيلة عن ذاك " الذى كان من البدء الذى سمعناه ... وقد راينا ونشهد ونخبركم .. " (1يو2: 1-3) اذ تقول : "فمنا امتلأ فرحا ولساننا تهليلا من جهة تناولنا من اسرارك غير المائتة يارب . لان ما لم تره عين وما لم تسمع به اذن ولم يخطر على قلب بشر ، ما اعددته يا الله لمحبى اسمك القدوس ، اعلنته للاطفال الصغار الذين لكنيستك المقدسة .

 prepared  by : Elisha Zoxy


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق