الأحد، 12 فبراير 2012

الالقاب التي اطلقها المسيحيون للاشارة الي انفسهم كجماعة



          هناك اسماء عديدة عـُرف بها المسيحيون في الكنيسة الاولي, كان أولها "الجمهور" πληθος , الذي كان اختصارا ً لعبارة "جمهور المؤمنين" او "جمهور الرب". وكان الاسم يستخدم لوصف المسيحيون الأُول, الذين دخلوا الايمان حديثا ً. الذي يقوله القديس لوقا "وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئاً مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً" (اع4: 22). وعند اختيار الشمامسة السبعة يقول:"فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ وَفِيلُبُّسَ..”. (اع6: 5).

ثاني هذه الالقاب, والذي كان يـُستخدم احيانا ً اشارة الي المؤمنين كجماعة, هو اسم "الرعية" ποιμνιον. وأول أشارة له في العهد الجديد عن طريق الرب يسوع نفسه عندما وصف نفسه بالراعي الصالح الذي يرعي خرافه, فيقول: " وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ" (يو10: 16). وقد قام باستخدامه بولس الرسول (اع20: 28), وبطرس الرسول (1بط5: 2و3).

اما اهم الالقاب التي عـُرفت بها جماعة المؤمنين, لقب "الكنيسة" εκκληςια . وهذا الاسم , في اصله اليوناني يشير الي شعب الله الذي تم دعوته واختياره بمبادرة الهية. ويتميز هذا اللقب بافصاحه عن فكرة الدعوة الموجهة مجانا ً من الله في يسوع المسيح الي اليهود اولا ً ثم الي الامم لتشكيل "المحفل المقدس" الخاص بالازمنة (انظر 1كو1: 2 , رو1: ). فالكنيسة هي جماعة متمتعة بالخلاص "في يسوع المسيح" (اع2: 47).
وفي العالم اليوناني القديم تدل كلمة εκκληςια علي اجتماع الشعب كقوة سياسية لمناقشة شؤون الدولة (انظر اع19: 32, 39-40). هذا المعني يعطي الخلفية للمعني الديني , عندما تحدث بولس الرسول عن الكنيسة حال اجتماعها (انظر 1كو11: 18). اما في الترجمة السبعينية , فان الكلمة تدل علي جماعة مدعوة لاداء شعائر دينية , تتخذ غالبا ً صورة العبادة , وخاصة لسماع كلام الشريعة. ونلاحظ الترادف بين كلمة  εκκληςια بمعني كنيسة وكلمة συναγωγη التي تعني جماعة في الترجمة العبرية. والتي جاءت منها تسمية المجمع في زمان ما بعد السبي. ونلاحظ ام الكنيسة والمجمع ظلا مترادفين , ولن يصبحا متعارضين الا عندما يخص المسيحيون انفسهم باللفظ الاول, مطلقين الثاني علي اليهود المقاومين لهم.
وتأتي كلمة "كنيسة" في الاناجيل مرتين (مت16: 18 , 18: 17) اولهما عند صرح السيد المسيح لتلاميذه ببناء علي الايمان به فقال: "عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ (صخرة الايمان) أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت16: 18). ولكنها تأتي بكثرة في سفر الاعمال ورسائل بولس الرسول (80 مرة تقريبا ً), وايضا ً في الرؤيا (19 مرة). ونجد ان استخدام مفهوم الكنيسة في العهد الجديد له تنوع ذو اهمية. فبالقياس بالعهد القديم, يمكنه ان يشير الي اجتماع المؤمنين "لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ" (1كو11: 18), وهذا معناه ان المسيحين هم شعب الله, خاصة عندما يجتمعون للعبادة. ايضا ً تشير الكنيسة الي جماعة المسيحين ككل التي تعيش في نفس المكان (انظر مت18: 17, اع5: 11, 1كو4: 17, في4: 15). وغالبا ً ما تحمل تلك الجماعة اسم المكان الذي تعيش فيه, مثل "الكنيسة التي في اورشليم"(اع8: 1), "كنيسة الله التي في كورنثوس" (1كو1: 2), "كنيسة التسالونيكيين" (1تس1: 1), وايضا ً الكنيسة التي في بيت بريسكلا ّ واكيلا ّ مشارا ً اليهم بـ "الكنيسة التي في بيتهما"(رو16: 3, 1كو16: 19).

ويشير بولس الرسول ان الكنيسة هي "جسد" (انظر 1كو12: 27 – رو12: 5 – اف1: 22و23, 4: 12), او هي الجسد الذي راسه المسيح (اف4: 15 – كو1: 18). ونشأة هذا التشبيه ليس معروفا ً علي وجه التحديد. وهناك اقتراحان لتعليل ذلك.
 اولهما, اختبار بولس الرسول في طريق الي دمشق, عندما كان في طريقه لاضطهاد المؤمنين هناك فسمع صوت يوبخه قائلا ً: "انا يسوع الذي انت تضطهده" (اع9: 5), ففطن الي ان اضطهاده للمسيحيين هو في الحقيقة اضطهاد للمسيح نفسه, وربما انعكاسا ً لهذا الاختبار, انقاد بولس الرسول الي القناعة بأن المسيح الحي يمثل جماعته, حتي انه من الممكن اعتبارهم جسده, اي التعبير الملموس لوجوده الحقيقي.
 اما التعليل الثاني فهو المفهوم العبري للتضامن المشترك, حيث يرتبط الفرد بدرجة كبيرة بأمته ككل, فالفرد ليس له وجود حقيقي بعيداً عن الكل. وفي نفس الوقت فأن الفرد يمكن ان يمثل الكل, مثل "اسرائيل" فهو اسم لفرد وفي نفس الوقت اسم لجميع الشعب.
لذلك عبر بولس عن حقيقة العلاقة الحميمية بين المسيح وكنيسته بالوحدة العضوية وتكامل الجسد الطبيعي (رو12: 4-8, 1كو12: 12-27). والافخارستيا لبولس هي اظهار لهذه الحقيقة, فيقول "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ" (1كو10: 16و17). ويصور الكنيسة ايضا ً هي هيكل الله (1كو3: 16و17). فالمؤمنون هم "بناء الله" (1كو3: 9), والمسيحيون هم المسئولون عن الاندماج في هذا البناء بمواد تبقي وتثبت (1كو3: 10-13) والمسيحيون انفسهم, هم حجارة البناء الذي يـُكون بنية "الهيكل المقدس في الرب" (اف2: 20-22). ويصورها ايضا ً انها عروس المسيح (انظر 2كو11: 2و3).



الجزء الثاني
  مجلة مدرسة الاسكندرية العدد2
     اعداد مركز ابحاث المجلة / نقلها عماد فايز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق