السبت، 18 فبراير 2012

ايقونة الايمان


القديس بولس الرسول يحكي لنا عن اكتشافه لايقونه سمائية عظيمة, هي عبارة سحابة ضخمة من وجوه معروفة تطل علينا من السماء وتحيط بنا من كل جهة. وقد يراها الانسان العادي مجرد سحابة ولكن مع بولس الرسول, ذو البصيرة الروحية, تَعرف من وراء ذرات النور علي وجوه كانت غير واضحة عندنا. فلما كشف عن مجد الايمان فيها ظهرت متلالئة تاخذ القلوب. وقد قدمها بولس الرسول علي هيئة لوحة فنية جميلة غاية في الابداع.

ففي اعلي الايقونة يكشف لنا الرسول عن شخصية هابيل الصديق, ووجهه في غاية البراءة. يقطر منه الدم لان اخاه قتله لما حسده وحقد عليه. والعجيب انه بالتدقيق وُجد ان قطرات دمه تتساقط ببطئ شديد علي الارض, وحينما تلمس التراب تتكلم من ذاتها بتسبحة خافتة لا تتوقف, تطلب الرحمة والحياة للاخ القاتل. وتحت وجه هابيل تُري يداه وهي حاملة ذبيحته التي فاز بواسطته بالمركز الاول في سباق الايمان في كل جيله.

وعلي الجانب الايمن من اسفل, يري وجه بولس الرسول وجه شيخ نضيراً جداً, تشع الطيبة من عينيه, وهو اخنوخ. لا يراه كروح, كبقية ارواح الابرار المكمّلة في المجد بل بجسده حياً بلحمه وعظامه. وقد اخذ الوجود الجسدي في صميم سماء الارواح. جزاء حياة جسدية طاهرة قيل عنها انها ارضت الله, لانه اختبر السير مع الله فلم تنقطع هذه المسيرة حتي بالموت.

وفي الجانب الاخر لهابيل من اسفل, راي بولس وجهاً تحيط به المياه من كل جهة بمنظر طوفان جارف, وهو نوح البار, الذي بايمانه الخائف المرتعب فاز ببر الله. وكان ايمانه ومخافته قادران ان يوازيا خطية العالم كله في هذا الزمان, فنجت معه البشرية في فلكه الصغير.

ومن هؤلاء الثلاثة تنبعث اشعة الايمان كميراث ينصب علي راس شخصية مهيبة احتلت المركز الاوسط في السحابة العظيمة, ابراهيم, فظهرت خلفه مدينة اور, كوطن مهجور تركه بالايمان ولم يعد له ابداً, فاستحق ان يكون مواطناً سمائياً . وظهرت في يده سكين الطاعة, علي شكل صليب, مغروسة في جسم حمل وديع قائم كانه مذبوح ولكنه حي. يداعبه صبي جميل الصورة بطئ الحركة لانه ابن شيخوخته. وتحت وجه ابراهيم ظهرت خيمة مُمزقة من مشقة الترحال وغُربة العمر الطويل. بابها مفتوح و واقف عليه ثلاث رجال حاملين وعد الدهور, وخلفهم مائدة عليها صورة واحد منهم مجروح جرحاً مميتاً, ولكنه كان متهللاً لانه هو الذي جرح نفسه, وفي ايديهم درج مكتوب عليه بكل اللغات, مثبت علي راس الصبي الصغير اسحاق "بذاتي اقسمت, يقول الرب, اني من اجل انك فعلت هذا الامر ولم تُمسك ابنك وحيدك اباركك بركة ويتبارك في نسلك جميع امم الارض من اجل انك سمعت لقولي"

وخلف وجه ابراهيم ظهر وجه لامراة عجوز شاخت في الايام, تضحك وتشير بيديها علي ابن في حضنها, وعلي راسها آية مكتوبة "والعاقر بالايمان تصير ام اولاد فرحة". وعلي جانبي الخيمة ظهر (اسحاق ويعقوب) يتعانقان, ويبارك الاول الاخر, فظهرت البركة في الصورة علي هيئة ندي السماء كقطرات من نور تخرج بلا انقطاع من فم اسحاق, وتستقر علي راس يعقوب, فتصير كنهر مُنساب لا ينقطع فيضانه. واذ يلامس راسه ويسيل علي صدره يتجمع صفوفاً صفوفاً ليصير شعباً مباركاً , كالرمل لا يعد من الكثرة كشاطئ مترامي الاطراف.

ثم ظهرت مصر في الايقونة بتماثيلها المكثفة, وظهر النيل ومدينة اون, ويوسف بوجهه الجميل, جالسا ًعلي كرسي عالاً  وفي يده خاتم فرعون وقلادة ملكيه حول عنقه, وتحت رجليه عظامه وقد لفها باعتناء الايمان, وكانها محنطة في تابوت ومكتوب عليها بالايمان "تُعاد الي ارض"

وبجوار التابوت ظهر وجه موسي مهيباً مضيئاً يبهر العين, لان نور السماء كان ينعكس منه. وكانه ولد ليكون ملك ولكن ليس علي اوثان, وظهرت بنت فرعون تخدمه, وجماله تحول مع الايام وتحت شمس مصر ونيلها الي حكمة اذهلت فرعون, الذي ظهر في الصورة وكانه يدعوه ليكون معه كيوسف علي كرسي ابيه لكنه ابَي, اذ لم تقنعه كل كنوز مصر, ولا حكمتها اشبعت رؤيته لما وراء الزمان. فظهر في الصورة وهو يعطي فرعون ظهره في الصورة وقد انحني يحمل شعبه علي كتفه وامامه براري سيناء وشوامخ جبالها, يفصله عنها بحر به تنانين عظام مخيفة, مفلوق نصفين وشعب مشدود الوسط يسير بهتاف عظيم ورقص في وسط المياه وكانها سور عن يمين ويسار.

وبدت خيمة الشهادة عن بُعد, وموسي واقف يسترحم وجه الله عن شعب الله قاسي الرقبة يرش الدم علي كل شئ, الكتاب نفسه والمسكن وجميع انية الخدمة, فكانت كل نقطة دم تسقط تنغرس في الحال وتصير علي شكل صليب مضئ, ويخرج منه صوت كصوت قيثارة مع لحن سمائي لا يكف عن التسبيح ليل نهار.

وفي مكان بارز ظهرت مدينة اريحا باسوارها الشامخة المهدمة كانقاض. وظهرت الابواق في ايدي الكهنة مصوبة نحوها كانها مدافع, وكل بوق امامه سور مهدوم. واذا جزء صغير من السور بقي واقفاً يتحدي كل هذا الخراب, وفي اعلاه كوه وخيط قرمزي وغرفة صغيرة ظلت باقية تشهد لايمان امراة نسيت خطيتها ودعت باسم الله الحي وترجت الخلاص فاتاها.

ويعوزنا الوقت للحديث عن باقي ابطال الايمان الذين ذكرهم القديس بولس في رسالته للعبرانيين في الاصحاح الحادي عشر. يكفينا تذكر جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والانبياء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق