السبت، 18 فبراير 2012

سر التقوي

                                ان سر التقوي العظيم (الله الظاهر في الجسد, هو اعجب الاسرار التي رأتها البشرية ولم تستطع فهم كيف تم, كيف اتحد اللاهوت بالناسوت, كيف كان ينمو الاله المتجسد,كيف بيداه العارية المجرده من اي سحر او تعاويذ استطاع ان يصنع هذه المعجزات, كيف كان ينام في باطن السفينة ويدير الكون, والاصعب كيف كان في القبر ميتاً و هو الاله. الكثير من الاسئلة تدور في عقول البشر اجمعهم تسأل كيف, بل حتي الطغمات الساقطة تسألت وتشككت في طبيعة هذا الانسان. انه يسوع المسيح.


                                قبل ان نتحدث عن هذا السر العظيم يلزمنا ان نعرف, لما تحتم تجسد كلمة الله الازلي وصيرورته في جسم بشري؟ واجابة هذا السؤال تتصدر صفحات الكتاب المقدس الاولي حين أكل ابوانا الاولان من الثمرة المحرمة (تك3: 3), وقد سبق الله فحذر آدم الا يأكل من هذه الشجرة لان العقوبة هي الموت (تك2: 17). واستطاعت الحية, ابليس, ان يسقط حواء ثم آدم في الخطية وكسر الوصية. واستحق ادم وامراته العقاب.

                                اولا العقاب: العقاب الواقع علي ادم وبنيه هو الموت لان "اجرة الخطية هي موت" (رو6: 23). الموت الروحي وهو الانفصال عن الله مصدر الحياة. الموت الجسدي وهو ان عوامل الانحلال بدأت تدب في الجسد الانساني, ورغم ان آدم لم يمت في مباشرة لكنه كان تدبير اللهي كي يعد الفداء للانسان, الموت الادبي وهو فقدان الانسان مجد الصورة الالهية داخله وفقد هيبته ووقاره, وطرد من الجنة. ومن العقوبات التي فرضها, لعن الله للحية, وحواء بالاتعاب في الولادة والاشتياق الي رجلها, ولآدم بالتعب في حياته كلها والعودة الي التراب, وايضاً تسلُـط الشيطان
علي البشرية كلها بسبب فساد الطبيعة.

          ثانيا خطة الخلاص بدأت عقب هذه الترتيبات, التي ظنها الانسان عقوبات, التي يُـعدها الله لآدم وبنيه من بعده, انها خطة طويلة الزمن, فيها  تغرب الابن ادم عن خالقه, نجده يعاني فيها من الامراض الروحية والجسدية التي تضرب بكل ما للانسان وفي الانسان من وزنات اعطاها له الله.
             بدأت هذه الخطة قبل الميلاد المخلص بـ5500 عام حين طُـرد ادم وحواء من الجنة, وقد غرس الله فيهم مفهوم الذبيحة, حين صنع لهم اقمصة من جلد ليستروا اجسادهم. لقد عرف ادم مصطلحان جديدان, اولهما الاعتراف حين افتقده الله "ادم اين انت" (تك3: 9) وابتدأ ادم يعترف امام الله بخطيته. وثانيهما هو فكرة الذبيحة الدموية (رمزاً لذبيحة المسيح) فهي ذبيحة بريئة تموت عن انسان خاطئ, لينال هذا الانسان الخاطئ الصفح والغفران عن خطيته, في وجود الله.

                        ثالثا بركات التجسد: وأعد الله للتجسد والفداء منذ نزل ادم وبنيه للارض, ومهد بالظهور لبني الانسان في العهد القديم في مواقف عدة. كظهوره لابراهيم مع الملاكين, وصراعه مع يعقوب ابو الاباء, وظهوره ممنوح وزجته في بشارة شمشون, وظهوره في الاتون مع الفتية الثلاثة. وبهذه الظهورات استعدت البشرية لكي يتجسد الله, الاقنوم الثاني, الكلمة, في صورة مرئية لان "اَللَّهُ (الآب) لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ, اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ, هُوَ خَبَّرَ" (يو1: 18) خبر البشر عن الله الذي لم يعودوا يتذكروه, او  يعرفوه رغم ان "مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ" (رو1: 19).

                ويأتي الفداء كأهم اسباب التجسد, معلناً وشاهداً لحب الله للانسان كما قال الحبيب يوحنا "احب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). وايضا حتي يخلص ويفدي الانسان "ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (مت 18: 11). وايضا تجسد كي يجدد طبيعتنا ويعيد خلقة الانسان لتعود كما كانت علي صورة الله ومثاله بعد ان تشوهت بالسقوط واضمحلت هذه الصورة بالخطية التي عاش فيها الانسان والشرور التي ابتدعها لنفسه.

ايقونة الايمان


القديس بولس الرسول يحكي لنا عن اكتشافه لايقونه سمائية عظيمة, هي عبارة سحابة ضخمة من وجوه معروفة تطل علينا من السماء وتحيط بنا من كل جهة. وقد يراها الانسان العادي مجرد سحابة ولكن مع بولس الرسول, ذو البصيرة الروحية, تَعرف من وراء ذرات النور علي وجوه كانت غير واضحة عندنا. فلما كشف عن مجد الايمان فيها ظهرت متلالئة تاخذ القلوب. وقد قدمها بولس الرسول علي هيئة لوحة فنية جميلة غاية في الابداع.

ففي اعلي الايقونة يكشف لنا الرسول عن شخصية هابيل الصديق, ووجهه في غاية البراءة. يقطر منه الدم لان اخاه قتله لما حسده وحقد عليه. والعجيب انه بالتدقيق وُجد ان قطرات دمه تتساقط ببطئ شديد علي الارض, وحينما تلمس التراب تتكلم من ذاتها بتسبحة خافتة لا تتوقف, تطلب الرحمة والحياة للاخ القاتل. وتحت وجه هابيل تُري يداه وهي حاملة ذبيحته التي فاز بواسطته بالمركز الاول في سباق الايمان في كل جيله.

وعلي الجانب الايمن من اسفل, يري وجه بولس الرسول وجه شيخ نضيراً جداً, تشع الطيبة من عينيه, وهو اخنوخ. لا يراه كروح, كبقية ارواح الابرار المكمّلة في المجد بل بجسده حياً بلحمه وعظامه. وقد اخذ الوجود الجسدي في صميم سماء الارواح. جزاء حياة جسدية طاهرة قيل عنها انها ارضت الله, لانه اختبر السير مع الله فلم تنقطع هذه المسيرة حتي بالموت.

وفي الجانب الاخر لهابيل من اسفل, راي بولس وجهاً تحيط به المياه من كل جهة بمنظر طوفان جارف, وهو نوح البار, الذي بايمانه الخائف المرتعب فاز ببر الله. وكان ايمانه ومخافته قادران ان يوازيا خطية العالم كله في هذا الزمان, فنجت معه البشرية في فلكه الصغير.

ومن هؤلاء الثلاثة تنبعث اشعة الايمان كميراث ينصب علي راس شخصية مهيبة احتلت المركز الاوسط في السحابة العظيمة, ابراهيم, فظهرت خلفه مدينة اور, كوطن مهجور تركه بالايمان ولم يعد له ابداً, فاستحق ان يكون مواطناً سمائياً . وظهرت في يده سكين الطاعة, علي شكل صليب, مغروسة في جسم حمل وديع قائم كانه مذبوح ولكنه حي. يداعبه صبي جميل الصورة بطئ الحركة لانه ابن شيخوخته. وتحت وجه ابراهيم ظهرت خيمة مُمزقة من مشقة الترحال وغُربة العمر الطويل. بابها مفتوح و واقف عليه ثلاث رجال حاملين وعد الدهور, وخلفهم مائدة عليها صورة واحد منهم مجروح جرحاً مميتاً, ولكنه كان متهللاً لانه هو الذي جرح نفسه, وفي ايديهم درج مكتوب عليه بكل اللغات, مثبت علي راس الصبي الصغير اسحاق "بذاتي اقسمت, يقول الرب, اني من اجل انك فعلت هذا الامر ولم تُمسك ابنك وحيدك اباركك بركة ويتبارك في نسلك جميع امم الارض من اجل انك سمعت لقولي"

وخلف وجه ابراهيم ظهر وجه لامراة عجوز شاخت في الايام, تضحك وتشير بيديها علي ابن في حضنها, وعلي راسها آية مكتوبة "والعاقر بالايمان تصير ام اولاد فرحة". وعلي جانبي الخيمة ظهر (اسحاق ويعقوب) يتعانقان, ويبارك الاول الاخر, فظهرت البركة في الصورة علي هيئة ندي السماء كقطرات من نور تخرج بلا انقطاع من فم اسحاق, وتستقر علي راس يعقوب, فتصير كنهر مُنساب لا ينقطع فيضانه. واذ يلامس راسه ويسيل علي صدره يتجمع صفوفاً صفوفاً ليصير شعباً مباركاً , كالرمل لا يعد من الكثرة كشاطئ مترامي الاطراف.

ثم ظهرت مصر في الايقونة بتماثيلها المكثفة, وظهر النيل ومدينة اون, ويوسف بوجهه الجميل, جالسا ًعلي كرسي عالاً  وفي يده خاتم فرعون وقلادة ملكيه حول عنقه, وتحت رجليه عظامه وقد لفها باعتناء الايمان, وكانها محنطة في تابوت ومكتوب عليها بالايمان "تُعاد الي ارض"

وبجوار التابوت ظهر وجه موسي مهيباً مضيئاً يبهر العين, لان نور السماء كان ينعكس منه. وكانه ولد ليكون ملك ولكن ليس علي اوثان, وظهرت بنت فرعون تخدمه, وجماله تحول مع الايام وتحت شمس مصر ونيلها الي حكمة اذهلت فرعون, الذي ظهر في الصورة وكانه يدعوه ليكون معه كيوسف علي كرسي ابيه لكنه ابَي, اذ لم تقنعه كل كنوز مصر, ولا حكمتها اشبعت رؤيته لما وراء الزمان. فظهر في الصورة وهو يعطي فرعون ظهره في الصورة وقد انحني يحمل شعبه علي كتفه وامامه براري سيناء وشوامخ جبالها, يفصله عنها بحر به تنانين عظام مخيفة, مفلوق نصفين وشعب مشدود الوسط يسير بهتاف عظيم ورقص في وسط المياه وكانها سور عن يمين ويسار.

وبدت خيمة الشهادة عن بُعد, وموسي واقف يسترحم وجه الله عن شعب الله قاسي الرقبة يرش الدم علي كل شئ, الكتاب نفسه والمسكن وجميع انية الخدمة, فكانت كل نقطة دم تسقط تنغرس في الحال وتصير علي شكل صليب مضئ, ويخرج منه صوت كصوت قيثارة مع لحن سمائي لا يكف عن التسبيح ليل نهار.

وفي مكان بارز ظهرت مدينة اريحا باسوارها الشامخة المهدمة كانقاض. وظهرت الابواق في ايدي الكهنة مصوبة نحوها كانها مدافع, وكل بوق امامه سور مهدوم. واذا جزء صغير من السور بقي واقفاً يتحدي كل هذا الخراب, وفي اعلاه كوه وخيط قرمزي وغرفة صغيرة ظلت باقية تشهد لايمان امراة نسيت خطيتها ودعت باسم الله الحي وترجت الخلاص فاتاها.

ويعوزنا الوقت للحديث عن باقي ابطال الايمان الذين ذكرهم القديس بولس في رسالته للعبرانيين في الاصحاح الحادي عشر. يكفينا تذكر جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والانبياء.



الالقاب التي اطلقها المسيحيون للاشارة الي انفسهم كأفراد


هناك علي الاقل سبعة ألقاب او اسماء استخدمها المسيحيون الاوائل للاشارة الي انفسهم. اولها واهمها علي الاطلاق "تلميذ" μαθητης . وهي من فعل μανθανω بمعني أتعلم. وهي تشير الي الذين يقبلون تعاليم شخص بذاته, ليس فقط لاقواله ومعتقداته بل ايضا ً لنمط حياته. فهو يشير لتلاميذ الفريسيين وتلاميذ موسي. ونجدها في الاناجيل تشير الي الاثني عشر (مت10: 1, 12: 1) ثم يشير الي كل من اتبع يسوع (مت8: 21) ولاسيما الي الاثنين والسبعين رسول الذين بعثهم في رسالة للبشارة (لو10: 1). وأمر يسوع تلاميذه بدورهم ان يتلمذوا هم ايضاً جميع الامم له بالمعمودية والتعليم (مت28: 19و20). وبداية من الاصحاح السادس في سفر الاعمال يشير لقب تلميذ الي كل مؤمن, سواء يعرف يسوع من حياته الارضية ام لم يعرفه, حيث جاءت 30 مرة تقريبا ً بمعني المؤمنيين بيسوع علي سبيل المثال (اع6: 1).

وايضا لقب "عبد يسوع المسيح" (رو1: 1, غل1: 10), او "عبد الله" (تي1:1, يع1:1) ففي كثير من الحالات يرادف هذا اللقب كلمة "مسيحي" . فنجد "وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِالْجَمِيعِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ، صَبُوراً عَلَى الْمَشَقَّات" (2تي 2: 24).

وايضاً لقب "مختاري الله". هذا اللقب هو امتداد للقب شعب اسرائيل في القديم "شعب الله المختار". ويمكن ان يكون انعكاسا ً لما جاء بانجيل متي "لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" (مت22: 14). لذلك يـُدعي المؤمنون "مدعوو يسوع المسيح" (رو1: 6), "المختار في الرب" (رو16: 13), "المدعوين" (يه1). وهذا للقب يـُشير الي المكانة المميزة التي يتبوأها المؤمن في خطة الله, كوريث لمواعيده, ومع ذلك يدل علي ان تلك المكانة لا ترتكز علي استحقاق من جانب المؤمن, فالله هو الذي يختار ويدعو, وبالتالي الافتخار ينتفي لان الله بنعمته اعطاه هذه المكانة.

وايضا ً لقب (ابناء الله) او (اولاد الله) (مت5: 9 – لو6: 35). وهو له استخدام في العهد القديم اشارة الي اسرائيل ابن الله (خر4: 22 – اش1: 2). فالتقطت الكنيسة هذا الاسم الاشارة الي المسيحيين, عند الحاجة الي التشديد علي التمثل بالمسيح (رو8: 14 – اف5: 1). ويدل هذا اللقب علي انهم المختارون من الله ليصبحوا جزء من عائلته (يو1: 12 – غل3: 26).

وايضا لقب "المؤمن". تكفي تسمية المؤمنين للدلالة علي تلاميذ المسيح, فهم الذين يؤمنون به (اع10: 45- اف1:1). والمؤمن ليس فقط من يؤمن ايمانا ً عقليا ً, ولكنه ملتزم التزاما ً تاما ً بعهده مع المسيح. فهم لا يـُدعون لمجرد تصديق امر ما, ولكن لكي يقدموا انفسهم لشخص للمسيح.


ولفظة "قديس" او قديسون, التي استخدمها كتبة العهد الجديد للاشارة الي المسيحيين. فهذا اللقب اطلق علي اعضاء الجماعة الاولي في اورشليم, وخاصة الجماعة التي حل عليها الروح القدس يوم العنصرة (اع9: 13) ثم اخذ استعماله يمتد ليشمل الاخوة الذين في اليهودية (اع9: 31- 41), ثم جميع المؤمنين. واصبح لقب قديسين ) هو الاحب لبولس في رسائله (انظر رو1: 7). وقد ذُكر ايضا 14 مرة في رؤيا يوحنا.

واخر الالقاب, لقب "الاخوة". ونجد ان لفظة "اخ" في اقوي معانيها تدل علي الاشخاص المنحدرين من رحم ام واحدة (تك4: 2). ويشير الكتاب الي أخوة اخري ذات طابع روحي, اخوة الايمان (اع2: 29) وتـُذكر مرات عدة في العهد الجديد.



الجزء الثالث
  مجلة مدرسة الاسكندرية العدد2
     اعداد مركز ابحاث المجلة / نقلها عماد فايز

الأحد، 12 فبراير 2012

الالقاب التي اطلقها المسيحيون للاشارة الي انفسهم كجماعة



          هناك اسماء عديدة عـُرف بها المسيحيون في الكنيسة الاولي, كان أولها "الجمهور" πληθος , الذي كان اختصارا ً لعبارة "جمهور المؤمنين" او "جمهور الرب". وكان الاسم يستخدم لوصف المسيحيون الأُول, الذين دخلوا الايمان حديثا ً. الذي يقوله القديس لوقا "وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئاً مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً" (اع4: 22). وعند اختيار الشمامسة السبعة يقول:"فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ وَفِيلُبُّسَ..”. (اع6: 5).

ثاني هذه الالقاب, والذي كان يـُستخدم احيانا ً اشارة الي المؤمنين كجماعة, هو اسم "الرعية" ποιμνιον. وأول أشارة له في العهد الجديد عن طريق الرب يسوع نفسه عندما وصف نفسه بالراعي الصالح الذي يرعي خرافه, فيقول: " وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ" (يو10: 16). وقد قام باستخدامه بولس الرسول (اع20: 28), وبطرس الرسول (1بط5: 2و3).

اما اهم الالقاب التي عـُرفت بها جماعة المؤمنين, لقب "الكنيسة" εκκληςια . وهذا الاسم , في اصله اليوناني يشير الي شعب الله الذي تم دعوته واختياره بمبادرة الهية. ويتميز هذا اللقب بافصاحه عن فكرة الدعوة الموجهة مجانا ً من الله في يسوع المسيح الي اليهود اولا ً ثم الي الامم لتشكيل "المحفل المقدس" الخاص بالازمنة (انظر 1كو1: 2 , رو1: ). فالكنيسة هي جماعة متمتعة بالخلاص "في يسوع المسيح" (اع2: 47).
وفي العالم اليوناني القديم تدل كلمة εκκληςια علي اجتماع الشعب كقوة سياسية لمناقشة شؤون الدولة (انظر اع19: 32, 39-40). هذا المعني يعطي الخلفية للمعني الديني , عندما تحدث بولس الرسول عن الكنيسة حال اجتماعها (انظر 1كو11: 18). اما في الترجمة السبعينية , فان الكلمة تدل علي جماعة مدعوة لاداء شعائر دينية , تتخذ غالبا ً صورة العبادة , وخاصة لسماع كلام الشريعة. ونلاحظ الترادف بين كلمة  εκκληςια بمعني كنيسة وكلمة συναγωγη التي تعني جماعة في الترجمة العبرية. والتي جاءت منها تسمية المجمع في زمان ما بعد السبي. ونلاحظ ام الكنيسة والمجمع ظلا مترادفين , ولن يصبحا متعارضين الا عندما يخص المسيحيون انفسهم باللفظ الاول, مطلقين الثاني علي اليهود المقاومين لهم.
وتأتي كلمة "كنيسة" في الاناجيل مرتين (مت16: 18 , 18: 17) اولهما عند صرح السيد المسيح لتلاميذه ببناء علي الايمان به فقال: "عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ (صخرة الايمان) أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت16: 18). ولكنها تأتي بكثرة في سفر الاعمال ورسائل بولس الرسول (80 مرة تقريبا ً), وايضا ً في الرؤيا (19 مرة). ونجد ان استخدام مفهوم الكنيسة في العهد الجديد له تنوع ذو اهمية. فبالقياس بالعهد القديم, يمكنه ان يشير الي اجتماع المؤمنين "لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ" (1كو11: 18), وهذا معناه ان المسيحين هم شعب الله, خاصة عندما يجتمعون للعبادة. ايضا ً تشير الكنيسة الي جماعة المسيحين ككل التي تعيش في نفس المكان (انظر مت18: 17, اع5: 11, 1كو4: 17, في4: 15). وغالبا ً ما تحمل تلك الجماعة اسم المكان الذي تعيش فيه, مثل "الكنيسة التي في اورشليم"(اع8: 1), "كنيسة الله التي في كورنثوس" (1كو1: 2), "كنيسة التسالونيكيين" (1تس1: 1), وايضا ً الكنيسة التي في بيت بريسكلا ّ واكيلا ّ مشارا ً اليهم بـ "الكنيسة التي في بيتهما"(رو16: 3, 1كو16: 19).

ويشير بولس الرسول ان الكنيسة هي "جسد" (انظر 1كو12: 27 – رو12: 5 – اف1: 22و23, 4: 12), او هي الجسد الذي راسه المسيح (اف4: 15 – كو1: 18). ونشأة هذا التشبيه ليس معروفا ً علي وجه التحديد. وهناك اقتراحان لتعليل ذلك.
 اولهما, اختبار بولس الرسول في طريق الي دمشق, عندما كان في طريقه لاضطهاد المؤمنين هناك فسمع صوت يوبخه قائلا ً: "انا يسوع الذي انت تضطهده" (اع9: 5), ففطن الي ان اضطهاده للمسيحيين هو في الحقيقة اضطهاد للمسيح نفسه, وربما انعكاسا ً لهذا الاختبار, انقاد بولس الرسول الي القناعة بأن المسيح الحي يمثل جماعته, حتي انه من الممكن اعتبارهم جسده, اي التعبير الملموس لوجوده الحقيقي.
 اما التعليل الثاني فهو المفهوم العبري للتضامن المشترك, حيث يرتبط الفرد بدرجة كبيرة بأمته ككل, فالفرد ليس له وجود حقيقي بعيداً عن الكل. وفي نفس الوقت فأن الفرد يمكن ان يمثل الكل, مثل "اسرائيل" فهو اسم لفرد وفي نفس الوقت اسم لجميع الشعب.
لذلك عبر بولس عن حقيقة العلاقة الحميمية بين المسيح وكنيسته بالوحدة العضوية وتكامل الجسد الطبيعي (رو12: 4-8, 1كو12: 12-27). والافخارستيا لبولس هي اظهار لهذه الحقيقة, فيقول "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ" (1كو10: 16و17). ويصور الكنيسة ايضا ً هي هيكل الله (1كو3: 16و17). فالمؤمنون هم "بناء الله" (1كو3: 9), والمسيحيون هم المسئولون عن الاندماج في هذا البناء بمواد تبقي وتثبت (1كو3: 10-13) والمسيحيون انفسهم, هم حجارة البناء الذي يـُكون بنية "الهيكل المقدس في الرب" (اف2: 20-22). ويصورها ايضا ً انها عروس المسيح (انظر 2كو11: 2و3).



الجزء الثاني
  مجلة مدرسة الاسكندرية العدد2
     اعداد مركز ابحاث المجلة / نقلها عماد فايز