الخميس، 12 أبريل 2012

يوم الكفارة


مراسيم يوم الكفارة العظيم
1- يوم الكفاره العظيم :
هو اعظم ايام السنه اليهوديه, لان فيه رئيس الكهنه يكفر تكفيراً جماعياً عن نفسه وعن الكهنه وعن الشعب كله وعن قدس الاقداس ودار الخيمة بجميع مشتملاتها وهذا التكفير يعني غفران الخطايا. وهذا العيد الوحيد في السنه الذي كان رئيس الكهنه يضطلع فيه العمل بنفسه وبمفرده, وهو ايضا اليوم الوحيد الذي يخلع فيه ملابسه الفاخره ويؤجي خدمة التكفير بملابس من الكتان, كما انه اليوم الذي فرض فيه الصوم والتذلل في شريعة موسي.
2- الاستعداد للعيد:
كان رئيس الكهنه يقضي السبعة ايام السابقه حيث يترك بيته ويعيش في حجرة في الهيكل ليعد نفسه لهذا اليوم العظيم, وفي مدة هيكل سليمان كان شيوخ السنهدريم يلازمونه ويقراون عليه اوامر الرب الخاصة بهذا اليوم مراراً وتكراراً وكان يمثلها حتي يحفظها جيداً ويتدرب علي ادائها, وخلال هذه السبعه ايام كان يقوم بالخدمات اليومية الخاصة بالكهنه, وفي الليله الاخيره السابقه للعيد كان يظل مستيقظاً طول الليل زياده في التاهب وحتي لايعرض له حلم او عارض يدنس جسده, واذا غلب عليه النعاس كان رفقائه الكهنه والشيوخ ينبهونه.

3- طقوس الخدمه في يوم الكفاره: الخدمة الصباحيه الدئمه – خدمة يوم الكفاره – خدمة تقديم الذبائح الاضافيه – الخدمة المسائيه

3_1 - الخدمة الصباحيه:
هي الخدمة التي كانت تقام يومياً علي مدار السنه وكان الكهنه يقومون بها ولكن في يوم الكفاره يقوم بها رئيس الكهنه, (في مدة اقامة الهيكل كان يلازم الهيكل كل اسبوع بالتناوب فرقة من فرق الكهنه الاربع والعشرين التي رتبها داود, وعدد الكهنه بالفرقه اثنا عشر كاهناً بالاضافة الي كاهن اخر يعتبر رئيساً للفرقه.(1 أي 24), وكان هولاء الكهنه يستعدون في يوم الكفاره في الصباح الباكر حيث يامر رئيس الكهنه الكهنه برفع التراب من علي مذبح المحرقه لاعداده للخدمه, ثم ياخذون رئيس الكهنه الي المغتسل فيغسل جسمه كله ويلبس ملابسه الفاخره التي للمجد والبهاء, ويدخل الي القدس ويصلح السرج ويرفع البخور, ثم يقدم المحرقة الدائمة المقررة يومياً في الصباح وهي خروف حولي مع تقدمته عشر الدقيق الملتوت بربع الهين من الزيت المرضوض وسكيبه ربع الهين من الخمر, كانت هذه تضاعف اذا كان اليوم سبت.

3_2 – خدمة الكفاره:
1-      يخلع رئيس الكهنه ثيابه الفاخره ويتركها في مكانها في القدس, ثم يخرج الي المغتسل ويغتسل ويلبس ملابس من الكتان. (ع4)
2-       يعرض امام الرب ذبيحة الكفاره عن نفسه وعن الكهنه وهي ثور من البقر, ويضع يديه علي راس الثور ويعترف بخطاياه وخطايا الكهنه.
3-      ثم يعرض امام الرب ذبائح الكفاره عن الشعب وهي تيسان من المعز يلقي عليهما قرعه ليذبح الواحد ذبيحة الخطيه ويخصص الثاني لعزازيل. (ع7, 8)
4-      يذبح الثور ويحتفظ احد الكهنه بجزء من دمه في اناء ويحركه حتي لا يجمد. (ع11)
5-      ياخذ رئيس الكهنه وعاء البخور والمجمرة ويدخل الي قدس الاقداس للمرة الاولي ويبخر امام تابوت عهد الرب فيمتلئ قدس الاقداس بالبخور (ع12, 13)؛ ويخرج خارجاً تاركا المجمرة ووعاء البخور في قدس الاقداس.
6-      ياخد من دم الثور ويدخل للمره الثانيه الي قدس الاقداس وينضح علي غطاء التابوت وامامه ثم يخرج تاركاً وعاء الدم في القدس. (ع14)
7-      يذبح تيس الخطيه امام باب الخيمه, وياخذ من دمه في وعاء ويدخل الي قدس الاقداس لثالث مره وينضح ايضاً علي غطاء التابوت وامامه تكفيراٍ عن الشعب, ويخرج الي القدس, حيث يمزج الباقي من دم التيس بالباقي من دم الثور.
8-      يكفر بالدم الممزوج عن القدس ومحتوياته بالنضح من الدم عليها, ثم يخرج الي دار الخيمه ويكفر بالدم ايضا عن مشتملاتها. (ع17- 19)
9-      بقي دور التيس الحي حيث يضع عليه يديه ويعترف بخطايا الجماعه ويرسله مع احد الاشخاص ليطلقه في البرية لعزازيل. (ع20- 22)
10-  يدخل لرابع مرة الي قدس الاقداس حيث ياخذ المجمرة ووعاء البخور ليضعهما في مكانهما الخاص, ويخرج الي القدس ويخلع ثياب الكتان ويضعهما في مكانهما الخاص في القدس ويستعد للخدمة الثالثه. (ع23)
كان الثور وتيس الخطيه يحرقان خارج المحله والذين يحرقونهما (الثور والتيس) والذي يطلق التيس الحي كانوا لايدخلون المحله الا بعد ان يغسلوا اجسادهم وملابسهم.
11-  يغسل رئيس الكهنه جسده ويلبس ثيابه الفاخره من جديد ويقدم محرقة العيد عن نفسه ومحرقة عن الشعب وكل منهما كبش من الغنم. (ع24)

3_3 خدمة الذبيحه الاضافية: ثم يقدم الذبائح عن نفسه والشعب
1-   محرقات اضافيه وهي ثور وكبش وسبعة خراف حوليه وتقدمتها ثلاثة اعشار دقيق ملتوت بالزيت عن الثور وعشران عن الكبش وعشر من كل خروف وسكائبها من الخمر نصف الهين عن الثور وثلث الهين عن الكبش وربع الهين عن الخروف الواحد.
2-   ذبيحة خطيه اخري من تيس من المعز. (وهذه الذبائح موضحه في عد 29: 7- 11)

3_4 الخدمة المسائية: وهي الخدمة اليوميه التي كانت تقام في المساء, وقرابينها مثل قرابين الصباح, وفي يوم الكفاره كان رئيس الكهنه هو الذي يقوم ايضاً بهذه الخدمه وهو مرتد ملابسه الفاخره.

4-      عن تيس عزازيل: هناك عدة اراء عنه مثل
1.       يقال انه نعت الشيطان بمعني المعزول او المُبعد عن شركة مه اللـه والقديسين, وانه يسكن في الاماكن الخربه والبراري "اذا خرج الروح النجس من الانسان يجتاز في اماكن ليس فيها ماء يطلب راحة و لا يجد" (مت12: 43)
2.       يري بعض اليهود ان التيس دعي هكذا لوجود شيطان اسمه عزازيل, وارسال التيس رمز الي ان خطايا الشعب قد سترت وغفرت بدم التيس المذبوح فان ارسال التيس الثاني وهو حامل الخطايا المغفورة اعلان عن رفع الخطايا وبالتالي اخجال الشيطان.
3.       وهنا من يقول ان كلمة عزازيل مصدر بمعني الاطلاق بالنسبة للتيس في البرية.
4.       وايضا ان كلمة عزازيل مصدر ايضاً بمعني العزل والازاله, لان التيس الثاني كان يحمل خطايا الشعب ويلقيها بعيداً وبهذا يعلن ان اللـه قد غفرها وتركها.

5-      ضرورة الكفاره :
اوضح اللـه لموسي ان التكفير عملا لابد منه ولم يكن لهارون تن يدخل الي قدس الاقداس الا بالذبائح التي قررها الوحي "بهذا يدخل هرون الى القدس بثور ابن بقر لذبيحة خطية و كبش لمحرقه" (ع3), والكفاره هي للخطية التي ارتكباها ابوينا بسبب السقوط في الخطيه, وبالتالي انتقال الخطيه الي جميع نسلهما وبذلك اصبحت البشرية تحت حكم الموت واللعنه, ولم يكن في امكان انسان ان يدخل الي اقداس الله ويرث امجاد السماء ما لم تمح عنه هذه الخطيه بالتكفير عنها, وكفر المسيح عنها كما قال الرسول بولس" و لكن الله بين محبته لنا لانه و نحن بعد خطاة مات المسيح لاجلنا" (رو5 :8).

6-      صانع الكفاره:
1-             رئيس الكهنه نفسه, وهو اشاره الي السيد المسيح رئيس كهنتنا والذي قيل عنه"و كاهن عظيم على بيت الله"(عب10: 21)
2-             كان هارون او رئيس الكهنه يقوم بعمل التكفير من اوله الي اخره دون ان يدخل معه احد الي القدس او قدس الاقداس, والمسيح هو الذي قام بعمل الفداء وحده ولم يكن في مقدور اي كائن ان يقوم بوفاء العدل الالهي الا يسوع المسيح "و ليس باحد غيره الخلاص لان ليس اسم اخر تحت السماء قد اعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص" (اع 4: 12), وايضا "قد دست المعصرة وحدي و من الشعوب لم يكن معي احد فدستهم بغضبي و وطئتهم بغيظي فرش عصيرهم على ثيابي فلطخت كل ملابسي" (اش63 :3)
3-             يوم الكفاره هو اليوم الوحيد الذي يخلع فيه رئيس الكهنه ثياب المجد والبهاء ويلبس ثياب الكتان (مثل باقي الكهنه).
4-             كان هارون اذا دخل قدس الاقداس ينشر سحابة كثيفه من البخور العطر امام التابوت, وذلك لكي لايري الغطاء بعينيه الذي يمثل عرش الله وعليه كل مجده يتجلي, يظل محجوبا عنه, لان البشرية كانت لا تزال تحت اللعنه.
5-             كان هارون ورؤساء الكهنه الذين جاءوا بعده مجرد بشر وكل منهم محاط بالضعف والخطيه, لهذا لزم ان يقدم قربانه لا عن الشعب فقط بل عن نفسه ايضاً.

7-      الدم كماده للتكفير:
1-       كان التكفير عن هارون بثور البقر والتكفير عن الشعب بالتيسين, وكان يدخل بدم الثور والتيس الاول الي قدس الاقداس وينضح منهم ايضا في القدس وعن كل ما يشمل عليه في دار الخيمة الخارجيه. " بدون سفك دم لا تحصل مغفره" (عب9: 22)
2-       ولكن هل يا تري هذه الحيوانات كانت لها الكفاءة والقدره في ذاتها علي مغفرة الخطيه؟
3-       طبعا لا, وهذا من وجوه كثيره فالحيوانات ليست من جنس البشر حتي تنوب عن البشر, كما انها لا تفي العدل الالهي الغير محدود, وما قيمة حيوان يذبح ازاء عصيان الانسان للـه, فضلا علي ان موت هذه الحيوانات في موتها كانت مجبره غير مريده ولا تملك الاراده علي هذا وانها الانسان الذي يذبحها بارادته. ومع هذه الاعتبارات وغيرها فان اللـه فرض علي بني اسرائيل تقديمها كذبيحه وسُر بان قبلها ويعطيها فاعليه في نظره لا من ذاتها لكنها كانت رمز وصوره للذبيحه الحقيقيه, وقد اخذت هذه الذبائح عملها وفاعليتها من نفس ذبيحة المسيح التي كانت في قصد اللـه من الازل.
4-       التيسان : (أ) كان الاول يذبح رمزا ًالي التكفير عن خطايا الشعب والثاني الذي يطلق يرمز الي حمل الخطية والذهاب بها بعيداً والتيسان كانا ذبيحه واحده وقد عملا عملاً متكاملا.ً (ب) وايضا التيس الاول كان يؤتي بدمه الي ما وراء الحجاب الي قدس الاقداس ويرش علي الغطاء المحجوب عن الابصار, والثاني كان يطلق علانيه. (جـ) التيس الاول يذبح لمجد اللـه الذي اهانه الانسان, والثاني يعلن الاطمئنان والارتياح لقلوب البشر لان خطاياهم قد كفر عنها. (د) رئيس الكهنه كان يذبح التيس الاول دون ان يضع عليه للاعتراف بخطايا الشعب بينما التيس الثاني تيس عزازيل كان يضع يده عليه ويعترف بخطايا الشعب
5-       ان احراق الثور والتيس خارج المحله رمز واضح لصلب المسيح وموته خارج اورشليم علي جبل الجلجثه.
         والمجد لله دائما
18-11-2010

آلام المسيح الخلاصية


آلام المسيح الخلاصية
للاب ليف جيلليه
يا سيدي هأنذا اقف تحت صليبك مع مريم امك، ومع التلميذ الذي كنت تحبه، ومع النسوة اللواتي بقين علي اخلاصهن (يو19 :25). واذا أتشجع الان انظر اليك، واتفرس في ذبيحتك، فأتعلم ما لم اعرف ان اكتسبته من كلمات الانجيل نفسها.
قدماك سُـمرتا الي الخشب، وصليبك هو المعصرة التي تعصر فيها الكرمة الحقيقية، ليس امامك مهرب من هذا المصير. بل اراك تنتظرني هناك علي موعد لقاء حددته لي. واذا سُـمرت بالصليب ربطت نفسك بهذا الانتظار. ومهما حدث من جهتي من تأخر في المقابلة فأنك باقٍ هناك في الموضع الذي اخترته لنفسك.

ذراعاك مبسوطتان مفتوحان، دعوة لكل الناس. ولن تغلقا ثانية لان المسامير في هذا الوضع … وضع الدعوة والعناق. وهما يناديان ’’تعال‘‘.

رأسك منكس، فقد خفضته في هدوء اذ قبلت واتممت المشيئة التي هي مشيئتك بقدر ما هي مشيئة الآب والروح، وهذه الانحناءة علامة طاعة لما تطلبته محبة الثالوث للبشرية، كمان انها تتجه نحو من هم اسفل الصليب … من احبوك، هم من صاحوا في وجهك ’’اصلب‘‘ه. ونحو من ينتظرون في انين متصل، ومن يبحثون عنك وهم لا يدرون.

عيناك مغلقتان، وفي مشهد باطني واحد تريان الآب والناس … فكينك كله يتحرك نحو الآب ونحو الناس كموضوعين لحبك.

الدم ينزف من جبينك ويديك، ومن جسدك المهشم … ويسيل ببطء في خطوط طويلة، وسيجري من جنبك ايضاً كما لو كان من قلب قد اعتصره ضغط المحبة المتألمة … وها الكسب ينسكب كتقدمة.

اكليل الشوك ادمي راسك، وكأ خطايا البشرية قد جُـمعت في هذه الدائرة، فتراكمت عليك اشواكاً. فكل خطايا البشر تجمعت معاً، وجاء الكاهن اليهودي ليضعها علي رأس الذبيحة … وهكذا  وضع الناس خطاياهم بأيديهم علي اكرم ما في جسدك، علي رأسك.

ولكني أري حول هذه الرأس اشعة من نور، فهناك هالة ذهبيةتحيط برأسك الدامي. وهذا ما يعطي معني للمشهد المؤلم، لاني ان لم ألحظ هذا النور فلسوف احفظ علي صورة ناقصة للمصلوب، فهو ايضاً رب ومخلّص.

يايسوع … لا استطيع ان اتكلم امام صليبك اكثر من هذا ولا ان افكر اكثر من هذا.وكل ما ارجوه ان تتغلغل صورتك في اعماقي، بقدر ما انظر اليك.ومع كل نسمة اتنسمها، وكل نبضة ينبض بها قلبي. فيا ايها المصلوب المضئ، ادخل صورتك الي اعماقي، وسمر نفسك في جسدي بروحي.اعطني ان احملك معي الي الابد، محتضناً اياك  بكل قوتي. ايها الحبيب، ومع ان كثيرين لن يفهموا شيئاً، وسوف يتحدثون عن تصورات مريضة، الا اننا معاً.

السبت، 7 أبريل 2012

ارتباط عيد المظال والتجديد باحد السعف


ارتباط عيدي المظال والحانوكاه (التجديد)
بروايات الانجيل لأحد السعف

يشتمل طقس الاحتفال بعيد المظال (او عيد سكوت), كما كان يُـحتفل به في العهد المتأخر للهيكل الثاني علي عناصر لم تكن قد سجلت في الكتاب المقدس, وبعضها قد انتهي العمل به مع خراب الهيكل. ويُـعرف القانون  الرابيني طقس العيد بأن يسكن الشخص في المظال لمدة اسبوع, وايضا تناول الطعام والنوم تحتها, ويصف طريقة عمل المظلة واللولاف (حزمة من السعف, الآس, وفروع الصفصاف, مع نبات الريحان) ويلوح بها الشعب اثناء الاحتفال, مع انشاد جزء من مزامير الهليل. هناك بعض المراسم الاخري التي اصبحت شائعة 1.ضرب الصفصاف, 2.سكب المياه, 3.الرقص علي الانوار. (وهذه الاشارات قد وجدت في روايات الانجيل).

1. طقس ضرب الصفصاف
لا يزال معمولا به في احتفال عيد المظال في المجامع اليهودية (رغم ان معناه واصوله مجهولين). ففي زمن الهيكل كانت الجموع تقطع اغصاناً طويلة من الصفصاف وتسير في موكب حول المذبح طوال اليوم, وهم ينشدون مزمور (118: 25) " اه, يا رب خلص. اه, يا رب انقذ". وهناك تقليد يقول (طوال اليوم يطوفون حول المذبح مرة واحدة) ويضيف رابي يهوذا تقليد اخر (في هذا اليوم الاخير يطوفون سبع مرات).

2, 3. طقسا المياه والانوار
كانا هذان الطقسين معروفان ايضاً , برغم توقف العمل بهما بعد خراب الهيكل. ويرجع الاسم (بيت استقاء الماء) او (بيت الينبوع) الي احتفال الانوار, لكنه يرتبط اكثر باحتفال المياه.
يبدأ طقس المياه, حين يجمع الكاهن مياه من بركة سلوام ويحمله الي الهيكل. يرافقه حشد من الجموع ويصاحبه نفخ الابواق. وعند المذبح يُـسكب الماء, وفي نفس الوقت يُـسكب بعضاً من الخمر. من وعائين منفصلين.
اما طقس الانوار, فيشمل اقامة وانارة شمعدانين عملاقين من الذهب في رواق سليمان, مع رقص الحسيديم (جماعة التقاة) ورجال العمل وهم يحملون المشاعل علي موسيقي الفلوت وآلات اخري (يعرف هذا الاحتفال باسم الفلوت). وكان النور يمكن ان يُـري من كل مكان في اورشليم.

المياه والانوار في انجيل يوحنا
البرهان المبكر الذي نملكه لطقسي المياه والانوار هو انجيل يوحنا, الذي سجل ان يسوع كان في الهيكل اثناء عيد المظال عندما اعلن ان المسيح هو مصدر الماء الحي (يو7: 37, 38) وايضا ان المسيح نور العالم (يو8: 12). وهذان الحدثان يشيران للطقس التوأمي لطقسي سكب المياه والانوار.
ولقد صرح المسيح بهذين الاعلانين "في اليوم الاخير العظيم من العيد" (يو7: 37) وهذا يشير الي ان الحديث تم في اليوم الثامن العيد, مثل طقس السبت عند اليهود, وهذا يعني ان الحشود كانت غفيرة اكثر من اي يوم, ولما كانت الجموع تنتظر اتمام الطقس (المياه والانوار) وهي لم تكن تتم في اليوم الثامن من العيد. وهذا هو الوقت المناسب ليسوع ان يُـصرح باعلانه.

الانشاد في عيد المظال
لا تذكر المشناه (اي, الاحكام المستمدة من العهد القديم ومن اقوال المُـفسرين له) اي انشاد يتم اثناء التلويح باللولاف, والذي كان نسخة طبق الاصل من الانشاد اثناء حملهم بالصفصاف, (مز118: 25). وربما استمر انشاد المزامير الي الاية 26 من نفس المزمور "مبارك الآتي باسم الرب" لانها كانت نشيد معروف ايضاً.
ليس هناك في طقس عيد المظال "ضرب الصفصاف" ما يجعله مناسب لانشاد (مز118: 25) لذا فمن المحتمل انهم استخدموا هذه الاناشيد لانهم صاحبوها بالتلويح بالاغصان.

الانشاد في يوم احد السعف
الاناشيد التي قيلت في يوم احد السعف ربما كانت تماثل (مز118: 25) التي كانت تُـنشد اثناء التلويح باللولاف. كان الجزء الاول من النشيد "نرجوك يارب, خلصنا" (اني هاشِم هوشيعيا نا). سجلت الاناجيل الجزء الاخير من هذا النشيد بكلمة (اوصنا) (مر11: 9, مت21: 9, يو12: 13) وهي تماثل فعل الامر الحديث من "هوشعنا". ونحن لا نعلم اذا كانت الجموع هل قامت الجموع بتحديث فعل الامر العبري هذا, ام انهم فقط تلفظوا الكلمة بطريقة غير واضحة. لذا الفريسيين والمتعلمين من الذين سمعوا قد ازدروا بالجموع الجاهلة لنطقهم كلامات الكتاب المقدس بطريقة خاطئة.
النشيد الاخر المُسجل في رواية الانجيل عن احد السعف "مبارك الآتي بأسم الرب" (مت21: 9, مر11: 9, لو19: 38, يو12: 13) وهو الجزء التالي من المزمور 118, وتشير التقاليد التلمودية عن انشاد هذا النشيد, اذا بدأ شخص في انشاد احد الاناشيد, كان من غير التقوي ان يتجاهله الاخرون, لذا كان يجب ان يشتركوا معه ويُـكموا الانشاد, حتي لو بدأ النشيد قلة, او كان مجرد طفل. لو بدأ شخص وقال "مبارك هو"  ترد الجموع "الآتي باسم الرب".
ومن جواب يسوع علي الفريسيين في (لو19: 40) يلمح الي (مز118) فيقول ان مُـنع التلاميذ عن التسبيح "فالحجارة تصرخ". وبالتحليل للايتين من (مز118: 21, 22) فان يسوع يشير الي ان من قيل عنه "استجبت لي و صرت لي خلاصا" في الاية 21, هو مطابق لـ "الحجر الذي رفضه البناؤون" في الاية 22. فلقد اردك الفريسيون ان الذين رفضوا تشير ضمنيا اليهم, بالاضافة الي دعوة يسوع انه سيصير رأسا ً للزاوية. وهذا اكد لهم خطورة يسوع وان عليهم اسكاته.

الشخصية الملكية المُـشار اليها في احد السعف
ان تكرار الاشارة الي الشخصية الملكية "ابن داود" (مت21: 9, 15), "مملكة ابينا داود" (مر11: 10), "مبارك الملك" (لو19: 38), "ملك اسرائيل" (يو12: 13). هذا التكرار كان يشير الي شخثية ملكية مسيانية, وكان هذا  معتاد في اليهودية وايضا ً في مخطوطات قمران. وحتي بدون هذه الاشارات فنبوة (زكريا9: 9)  قد القي عليها كتبة الاناجيل الضوء (مت21: 5, يو12: 15).
وايضا هناك تشابهاً قوياً لموقف حاكم جديد لاورشليم وتلويح الشعب بسعف النخيل, قد حدث مرتين, الاول عندما طهر يهوذا المكابي الهيكل واعاد تكريسه عام 165 ق.م, بعدما هزم انطيوخوس (2مك10: 6- 8). والمرة الثانية عندما اعلن سمعان المكابي نفسه حاكما ً علي اورشليم عام 141 ق.م (1مك13: 51). وقد حفظت هذه الاحداث في الوجدان الشعبي, وكان من المستحيل ان يكون قد فات كتبة الانجيل هذا الحدث او قارئي الانجيل تلك الرموز, ولو ان صورة الملك تلطفت بركوب جحشٍ بدلاً من فرس (مت21: 2- 7) وتظهر الرمزية بالنسبة ليهوذا المكابي لان دخول يسوع اورشيم تبعه تطهير الهيكل كما فعل يهوذا المكابي بعد ان دنس انطيوخس الهيكل.

احتفالات الحانوكاه وعيد المظال
هو الاحتفال باعادة تكريس الهيكل في 25 كسلو 165 ق.م ووصف العيد نجده مذكورا ً في سفر المكابيين:
" فعيدوا ثمانية ايام بفرح كما في عيد المظال و هم يذكرون كيف قضوا عيد المظال قبيل ذلك في الجبال و المغاور مثل وحوش البرية. و لذلك سبحوا لمن يسر تطهير هيكله و في ايديهم غصون ذات اوراق و افنان خضر و سعف" (2مك10: 6- 7)
ان احتفالات الحانوكاه تشبه احتفالات عيد المظال, او بعض المظاهر من عيد المظال. او يُـحتفل به خلال احدي الاحتفالات الاضافية لعيد المظال.
مع القرن الاول, اصبح الاحتفال بالحانوكاه, عيدا ً منفصلا ً, كما ذكر يوحنا البشير (يو10: 22) الذي دعاه "عيد التجديد", ربما كاختصار لـ "تكريس المذبح" (1مك4: 59). ولكن حتي بعد الاحتفال به كعيد خاص, فان ارتباطه بعيد المظال كان قد ترسخ بالفعل:
"وبعد فاذ كنا مزمعين ان نعيد عيد تطهير الهيكل في اليوم الخامس و العشرين من شهر كسلو راينا من الواجب ان نعلن اليكم ان تعيدوا انتم ايضا عيد المظال و النار التي ظهرت حين بنى نحميا الهيكل و المذبح و قدم الذبيحة" (1مك1: 18)
ومن المرجح انه بعد خراب الهيكل وفقدان الشمعدنات العملاقة, عاد احتفال الانوار ليعد الحانوكاه, الذي كان يحتفل به كمراسم عائلية وفي المجامع اليهودية. وتدريجيا ً بدأ يُـنسي الارتباط بين عيد المظال والحانوكاه. وظل فقط قليل من التشابه مثل, الهليل.

هل احد السعف يشبه عيد المظال او الحانوكاه؟
تحتوي روايات الانجيل عن احد السعف علي بعض التفاصيل التي تشبه الاحتفال بعيد المظال, والاحتفال المبكر للحانوكاه, اي الترتيل من المزمور 118 والتلويح بالاغصان. ولا يُـعتبر الركوب علي اتان او فرش الطريق بالثياب والاغصان, مظاهر من مظاهر العيد. برغم انها كانت ذكري للاحتفاء بسمعان ويهوذا المكابي (التي احتفلت بها الحانوكاه). وما اعقب ذلك من تطهير المسيح للهيكل مثل سمعان ويهوذا المكابي.
الا ان كتبة الانجيل تعمدوا عدم ذكر هذا التشبيه, رغم معرفة الناس الجيدة بهذا الحوداث, لان الرومان كانوا متخوفين من اي حماسة قومية.

                              دكتور ديفيد اينستون
استاذ الادب الرابيني والعهد الجديد- جامعة كمبريدج
عن مجلة مدرسة الاسكندرية العدد1: 87 - 105



الخميس، 1 مارس 2012

المزمور الاول

المزمور الاول

طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِف وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.
لَكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَاراً وَلَيْلاً.
فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِيِ الْمِيَاهِ الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِه وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ.
لَيْسَ كَذَلِكَ الأَشْرَارُ لَكِنَّهُمْ كَالْعُصَافَةِ الَّتِي تُذَرِّيهَا الرِّيحُ.
لِذَلِكَ لاَ تَقُومُ الأَشْرَارُ فِي الدِّينِ وَلاَ الْخُطَاةُ فِي جَمَاعَةِ الأَبْرَارِ.
أَنَّ الرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ الأَبْرَارِ أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ.

هو من مزامير داود، كتبه عندما طلب شاول، ملك اسرائيل، النصيحة من الله فلم يجبه. فسأل صموئيل النبي بعد موته، عن طريق السحر والعرافة. (1صم28: 7).
+بداية السفر والمزمور، الطوبي، وهي نفس البداية التي بدأ بها السيد المسيح حديثه في انجيل القديس متي(ص5). وهي تعبر عن السعادة والفرحة الروحية. والسيد المسيح، كما سنعرف، ترنم بالمزامير طول ايام حياته وحتي في صلبه، لكثرة النبوات بها، ولعمق صلواتها.
+ويضع المزمور بكلماته البسيطة امام الانسان طريقين وهدفين. كما يقول موسي النبي ’’اشهد عليكم اليوم السماء و الارض قد جعلت قدامك الحياة و الموت البركة و اللعنة فاختر الحياة لكي تحيا انت و نسلك’’ (تث30 :19)، الطريق الاول هو الذي يسلك فيه الانسان مع الله، حيث يسير مستغرقا ً في حياة روحية مع الله سائرا ً علي قانون (ناموسνομος ) روحي من قراءة للكتاب المقدس وصلاة وصوم. وان يصير قانونك هو عملك الروحي ليلا ً ونهاراً، وحينها تهتف مع عذراء النشيد ‘‘انا نائمة و قلبي مستيقظ’’ (نش5: 2). وهكذا تصير حياة هذا الانسان مليئة بالفرح والتعزية التي يسكبها الله في قلبه، الي ان يأتي يوم الدينونة (الهدف) فيسمع ‘‘تعالوا يا مَبَاركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم’’ (مت25 :34 ).
+ونجد مثل هذا الانسان دائما ً ناجحا ً (في بيته، وسط اصدقائه، في دراسته، في عمله) كما كان يوسف ناجحا ً(تك39 :2). وتجد مثل هذا الشخص مثمر في كل ما عمل يعمله لان الرب يعضده وينجحه (تك39 :3).
+وايضا ً يشير المزمور الي طريق الاشرار ويشرح المرتل كيف يسلك الانسان فيها فهو اولا يفكر ويسلك في الشر، ثم يشير الوقوف في طريق المنافقين الي عمل الشر، ثم مجلس المستهزئين يشير الي اغراء الاخرين وتعليمهم الشر ليعملوه.
+لم يقل المزمور طوبي للرجل الذي لم يخطئ، بل قال طوب الرجل الذي لم يستمر في خطيته. لاننا ’’إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا‘‘(1يو1 :8). ولكن الطوبي تظهر لنا حين نقاوم السقوط في الخطية حين نقر بضعفنا ونطلب معونة الله ’’اِرْحَمْنِي يَا اللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ .. اغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي .. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً‘‘ (مز50: 1-3)
+وايضا ً ان الصلاة لا تكون نهاراً فقط بل ليلاً ايضا ً، ففترة الليل هي مناسبة للحوار مع الله، وكما صارع يعقوب قديما يصبح كلاً منا يعقوب جديد يصارع ويأخذ البركة. والصلاة ليلا ً هي وصية كتابية اعادها المسيح علي مسامعنا من داود ’’اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة‘‘ (مت 26: 41)
+ونلاحظ ايضا ان الرياح التي تؤثر علي الاشرار وتذريهم، اي لا تثبت خطواتهم ولا تقربهم من مصدر الحياة، النهر، الذي يرتوي منه الانسان البار المطوب. ولا تجد اي ثمر للاشرار وحتي ان ظهرت اي ثمار، فهي محاولة لاغراء واستمالة الانسان البار الي هذا الطريق.
+واخيراً. لنلاحظ ان الله يعطي الانسان حريته كاملة، في اختيار طريقه وفي سلوكه. وعلي كل انسان ان يـُعين هدفه ’’السالك بالكمال يخلص و الملتوي في طريقين يسقط في احداهما‘‘ (ام  28: 18). ويحذر’’لاَ تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ الأَشْرَار ِ.. لأَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ خُبْزَ الشَّرِّ  .. أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ‘‘ (ام4: 17و18)
+ونلاحظ ان المزامير 1؛ 19؛ 119 تُسمى مزامير التوراة Torah Psalm.

السبت، 18 فبراير 2012

سر التقوي

                                ان سر التقوي العظيم (الله الظاهر في الجسد, هو اعجب الاسرار التي رأتها البشرية ولم تستطع فهم كيف تم, كيف اتحد اللاهوت بالناسوت, كيف كان ينمو الاله المتجسد,كيف بيداه العارية المجرده من اي سحر او تعاويذ استطاع ان يصنع هذه المعجزات, كيف كان ينام في باطن السفينة ويدير الكون, والاصعب كيف كان في القبر ميتاً و هو الاله. الكثير من الاسئلة تدور في عقول البشر اجمعهم تسأل كيف, بل حتي الطغمات الساقطة تسألت وتشككت في طبيعة هذا الانسان. انه يسوع المسيح.


                                قبل ان نتحدث عن هذا السر العظيم يلزمنا ان نعرف, لما تحتم تجسد كلمة الله الازلي وصيرورته في جسم بشري؟ واجابة هذا السؤال تتصدر صفحات الكتاب المقدس الاولي حين أكل ابوانا الاولان من الثمرة المحرمة (تك3: 3), وقد سبق الله فحذر آدم الا يأكل من هذه الشجرة لان العقوبة هي الموت (تك2: 17). واستطاعت الحية, ابليس, ان يسقط حواء ثم آدم في الخطية وكسر الوصية. واستحق ادم وامراته العقاب.

                                اولا العقاب: العقاب الواقع علي ادم وبنيه هو الموت لان "اجرة الخطية هي موت" (رو6: 23). الموت الروحي وهو الانفصال عن الله مصدر الحياة. الموت الجسدي وهو ان عوامل الانحلال بدأت تدب في الجسد الانساني, ورغم ان آدم لم يمت في مباشرة لكنه كان تدبير اللهي كي يعد الفداء للانسان, الموت الادبي وهو فقدان الانسان مجد الصورة الالهية داخله وفقد هيبته ووقاره, وطرد من الجنة. ومن العقوبات التي فرضها, لعن الله للحية, وحواء بالاتعاب في الولادة والاشتياق الي رجلها, ولآدم بالتعب في حياته كلها والعودة الي التراب, وايضاً تسلُـط الشيطان
علي البشرية كلها بسبب فساد الطبيعة.

          ثانيا خطة الخلاص بدأت عقب هذه الترتيبات, التي ظنها الانسان عقوبات, التي يُـعدها الله لآدم وبنيه من بعده, انها خطة طويلة الزمن, فيها  تغرب الابن ادم عن خالقه, نجده يعاني فيها من الامراض الروحية والجسدية التي تضرب بكل ما للانسان وفي الانسان من وزنات اعطاها له الله.
             بدأت هذه الخطة قبل الميلاد المخلص بـ5500 عام حين طُـرد ادم وحواء من الجنة, وقد غرس الله فيهم مفهوم الذبيحة, حين صنع لهم اقمصة من جلد ليستروا اجسادهم. لقد عرف ادم مصطلحان جديدان, اولهما الاعتراف حين افتقده الله "ادم اين انت" (تك3: 9) وابتدأ ادم يعترف امام الله بخطيته. وثانيهما هو فكرة الذبيحة الدموية (رمزاً لذبيحة المسيح) فهي ذبيحة بريئة تموت عن انسان خاطئ, لينال هذا الانسان الخاطئ الصفح والغفران عن خطيته, في وجود الله.

                        ثالثا بركات التجسد: وأعد الله للتجسد والفداء منذ نزل ادم وبنيه للارض, ومهد بالظهور لبني الانسان في العهد القديم في مواقف عدة. كظهوره لابراهيم مع الملاكين, وصراعه مع يعقوب ابو الاباء, وظهوره ممنوح وزجته في بشارة شمشون, وظهوره في الاتون مع الفتية الثلاثة. وبهذه الظهورات استعدت البشرية لكي يتجسد الله, الاقنوم الثاني, الكلمة, في صورة مرئية لان "اَللَّهُ (الآب) لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ, اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ, هُوَ خَبَّرَ" (يو1: 18) خبر البشر عن الله الذي لم يعودوا يتذكروه, او  يعرفوه رغم ان "مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ" (رو1: 19).

                ويأتي الفداء كأهم اسباب التجسد, معلناً وشاهداً لحب الله للانسان كما قال الحبيب يوحنا "احب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). وايضا حتي يخلص ويفدي الانسان "ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (مت 18: 11). وايضا تجسد كي يجدد طبيعتنا ويعيد خلقة الانسان لتعود كما كانت علي صورة الله ومثاله بعد ان تشوهت بالسقوط واضمحلت هذه الصورة بالخطية التي عاش فيها الانسان والشرور التي ابتدعها لنفسه.

ايقونة الايمان


القديس بولس الرسول يحكي لنا عن اكتشافه لايقونه سمائية عظيمة, هي عبارة سحابة ضخمة من وجوه معروفة تطل علينا من السماء وتحيط بنا من كل جهة. وقد يراها الانسان العادي مجرد سحابة ولكن مع بولس الرسول, ذو البصيرة الروحية, تَعرف من وراء ذرات النور علي وجوه كانت غير واضحة عندنا. فلما كشف عن مجد الايمان فيها ظهرت متلالئة تاخذ القلوب. وقد قدمها بولس الرسول علي هيئة لوحة فنية جميلة غاية في الابداع.

ففي اعلي الايقونة يكشف لنا الرسول عن شخصية هابيل الصديق, ووجهه في غاية البراءة. يقطر منه الدم لان اخاه قتله لما حسده وحقد عليه. والعجيب انه بالتدقيق وُجد ان قطرات دمه تتساقط ببطئ شديد علي الارض, وحينما تلمس التراب تتكلم من ذاتها بتسبحة خافتة لا تتوقف, تطلب الرحمة والحياة للاخ القاتل. وتحت وجه هابيل تُري يداه وهي حاملة ذبيحته التي فاز بواسطته بالمركز الاول في سباق الايمان في كل جيله.

وعلي الجانب الايمن من اسفل, يري وجه بولس الرسول وجه شيخ نضيراً جداً, تشع الطيبة من عينيه, وهو اخنوخ. لا يراه كروح, كبقية ارواح الابرار المكمّلة في المجد بل بجسده حياً بلحمه وعظامه. وقد اخذ الوجود الجسدي في صميم سماء الارواح. جزاء حياة جسدية طاهرة قيل عنها انها ارضت الله, لانه اختبر السير مع الله فلم تنقطع هذه المسيرة حتي بالموت.

وفي الجانب الاخر لهابيل من اسفل, راي بولس وجهاً تحيط به المياه من كل جهة بمنظر طوفان جارف, وهو نوح البار, الذي بايمانه الخائف المرتعب فاز ببر الله. وكان ايمانه ومخافته قادران ان يوازيا خطية العالم كله في هذا الزمان, فنجت معه البشرية في فلكه الصغير.

ومن هؤلاء الثلاثة تنبعث اشعة الايمان كميراث ينصب علي راس شخصية مهيبة احتلت المركز الاوسط في السحابة العظيمة, ابراهيم, فظهرت خلفه مدينة اور, كوطن مهجور تركه بالايمان ولم يعد له ابداً, فاستحق ان يكون مواطناً سمائياً . وظهرت في يده سكين الطاعة, علي شكل صليب, مغروسة في جسم حمل وديع قائم كانه مذبوح ولكنه حي. يداعبه صبي جميل الصورة بطئ الحركة لانه ابن شيخوخته. وتحت وجه ابراهيم ظهرت خيمة مُمزقة من مشقة الترحال وغُربة العمر الطويل. بابها مفتوح و واقف عليه ثلاث رجال حاملين وعد الدهور, وخلفهم مائدة عليها صورة واحد منهم مجروح جرحاً مميتاً, ولكنه كان متهللاً لانه هو الذي جرح نفسه, وفي ايديهم درج مكتوب عليه بكل اللغات, مثبت علي راس الصبي الصغير اسحاق "بذاتي اقسمت, يقول الرب, اني من اجل انك فعلت هذا الامر ولم تُمسك ابنك وحيدك اباركك بركة ويتبارك في نسلك جميع امم الارض من اجل انك سمعت لقولي"

وخلف وجه ابراهيم ظهر وجه لامراة عجوز شاخت في الايام, تضحك وتشير بيديها علي ابن في حضنها, وعلي راسها آية مكتوبة "والعاقر بالايمان تصير ام اولاد فرحة". وعلي جانبي الخيمة ظهر (اسحاق ويعقوب) يتعانقان, ويبارك الاول الاخر, فظهرت البركة في الصورة علي هيئة ندي السماء كقطرات من نور تخرج بلا انقطاع من فم اسحاق, وتستقر علي راس يعقوب, فتصير كنهر مُنساب لا ينقطع فيضانه. واذ يلامس راسه ويسيل علي صدره يتجمع صفوفاً صفوفاً ليصير شعباً مباركاً , كالرمل لا يعد من الكثرة كشاطئ مترامي الاطراف.

ثم ظهرت مصر في الايقونة بتماثيلها المكثفة, وظهر النيل ومدينة اون, ويوسف بوجهه الجميل, جالسا ًعلي كرسي عالاً  وفي يده خاتم فرعون وقلادة ملكيه حول عنقه, وتحت رجليه عظامه وقد لفها باعتناء الايمان, وكانها محنطة في تابوت ومكتوب عليها بالايمان "تُعاد الي ارض"

وبجوار التابوت ظهر وجه موسي مهيباً مضيئاً يبهر العين, لان نور السماء كان ينعكس منه. وكانه ولد ليكون ملك ولكن ليس علي اوثان, وظهرت بنت فرعون تخدمه, وجماله تحول مع الايام وتحت شمس مصر ونيلها الي حكمة اذهلت فرعون, الذي ظهر في الصورة وكانه يدعوه ليكون معه كيوسف علي كرسي ابيه لكنه ابَي, اذ لم تقنعه كل كنوز مصر, ولا حكمتها اشبعت رؤيته لما وراء الزمان. فظهر في الصورة وهو يعطي فرعون ظهره في الصورة وقد انحني يحمل شعبه علي كتفه وامامه براري سيناء وشوامخ جبالها, يفصله عنها بحر به تنانين عظام مخيفة, مفلوق نصفين وشعب مشدود الوسط يسير بهتاف عظيم ورقص في وسط المياه وكانها سور عن يمين ويسار.

وبدت خيمة الشهادة عن بُعد, وموسي واقف يسترحم وجه الله عن شعب الله قاسي الرقبة يرش الدم علي كل شئ, الكتاب نفسه والمسكن وجميع انية الخدمة, فكانت كل نقطة دم تسقط تنغرس في الحال وتصير علي شكل صليب مضئ, ويخرج منه صوت كصوت قيثارة مع لحن سمائي لا يكف عن التسبيح ليل نهار.

وفي مكان بارز ظهرت مدينة اريحا باسوارها الشامخة المهدمة كانقاض. وظهرت الابواق في ايدي الكهنة مصوبة نحوها كانها مدافع, وكل بوق امامه سور مهدوم. واذا جزء صغير من السور بقي واقفاً يتحدي كل هذا الخراب, وفي اعلاه كوه وخيط قرمزي وغرفة صغيرة ظلت باقية تشهد لايمان امراة نسيت خطيتها ودعت باسم الله الحي وترجت الخلاص فاتاها.

ويعوزنا الوقت للحديث عن باقي ابطال الايمان الذين ذكرهم القديس بولس في رسالته للعبرانيين في الاصحاح الحادي عشر. يكفينا تذكر جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والانبياء.



الالقاب التي اطلقها المسيحيون للاشارة الي انفسهم كأفراد


هناك علي الاقل سبعة ألقاب او اسماء استخدمها المسيحيون الاوائل للاشارة الي انفسهم. اولها واهمها علي الاطلاق "تلميذ" μαθητης . وهي من فعل μανθανω بمعني أتعلم. وهي تشير الي الذين يقبلون تعاليم شخص بذاته, ليس فقط لاقواله ومعتقداته بل ايضا ً لنمط حياته. فهو يشير لتلاميذ الفريسيين وتلاميذ موسي. ونجدها في الاناجيل تشير الي الاثني عشر (مت10: 1, 12: 1) ثم يشير الي كل من اتبع يسوع (مت8: 21) ولاسيما الي الاثنين والسبعين رسول الذين بعثهم في رسالة للبشارة (لو10: 1). وأمر يسوع تلاميذه بدورهم ان يتلمذوا هم ايضاً جميع الامم له بالمعمودية والتعليم (مت28: 19و20). وبداية من الاصحاح السادس في سفر الاعمال يشير لقب تلميذ الي كل مؤمن, سواء يعرف يسوع من حياته الارضية ام لم يعرفه, حيث جاءت 30 مرة تقريبا ً بمعني المؤمنيين بيسوع علي سبيل المثال (اع6: 1).

وايضا لقب "عبد يسوع المسيح" (رو1: 1, غل1: 10), او "عبد الله" (تي1:1, يع1:1) ففي كثير من الحالات يرادف هذا اللقب كلمة "مسيحي" . فنجد "وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِالْجَمِيعِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ، صَبُوراً عَلَى الْمَشَقَّات" (2تي 2: 24).

وايضاً لقب "مختاري الله". هذا اللقب هو امتداد للقب شعب اسرائيل في القديم "شعب الله المختار". ويمكن ان يكون انعكاسا ً لما جاء بانجيل متي "لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" (مت22: 14). لذلك يـُدعي المؤمنون "مدعوو يسوع المسيح" (رو1: 6), "المختار في الرب" (رو16: 13), "المدعوين" (يه1). وهذا للقب يـُشير الي المكانة المميزة التي يتبوأها المؤمن في خطة الله, كوريث لمواعيده, ومع ذلك يدل علي ان تلك المكانة لا ترتكز علي استحقاق من جانب المؤمن, فالله هو الذي يختار ويدعو, وبالتالي الافتخار ينتفي لان الله بنعمته اعطاه هذه المكانة.

وايضا ً لقب (ابناء الله) او (اولاد الله) (مت5: 9 – لو6: 35). وهو له استخدام في العهد القديم اشارة الي اسرائيل ابن الله (خر4: 22 – اش1: 2). فالتقطت الكنيسة هذا الاسم الاشارة الي المسيحيين, عند الحاجة الي التشديد علي التمثل بالمسيح (رو8: 14 – اف5: 1). ويدل هذا اللقب علي انهم المختارون من الله ليصبحوا جزء من عائلته (يو1: 12 – غل3: 26).

وايضا لقب "المؤمن". تكفي تسمية المؤمنين للدلالة علي تلاميذ المسيح, فهم الذين يؤمنون به (اع10: 45- اف1:1). والمؤمن ليس فقط من يؤمن ايمانا ً عقليا ً, ولكنه ملتزم التزاما ً تاما ً بعهده مع المسيح. فهم لا يـُدعون لمجرد تصديق امر ما, ولكن لكي يقدموا انفسهم لشخص للمسيح.


ولفظة "قديس" او قديسون, التي استخدمها كتبة العهد الجديد للاشارة الي المسيحيين. فهذا اللقب اطلق علي اعضاء الجماعة الاولي في اورشليم, وخاصة الجماعة التي حل عليها الروح القدس يوم العنصرة (اع9: 13) ثم اخذ استعماله يمتد ليشمل الاخوة الذين في اليهودية (اع9: 31- 41), ثم جميع المؤمنين. واصبح لقب قديسين ) هو الاحب لبولس في رسائله (انظر رو1: 7). وقد ذُكر ايضا 14 مرة في رؤيا يوحنا.

واخر الالقاب, لقب "الاخوة". ونجد ان لفظة "اخ" في اقوي معانيها تدل علي الاشخاص المنحدرين من رحم ام واحدة (تك4: 2). ويشير الكتاب الي أخوة اخري ذات طابع روحي, اخوة الايمان (اع2: 29) وتـُذكر مرات عدة في العهد الجديد.



الجزء الثالث
  مجلة مدرسة الاسكندرية العدد2
     اعداد مركز ابحاث المجلة / نقلها عماد فايز